أسلاف كافكا أسلاف كافكا*
سبق لنا أن تحدثنا عن أسلاف بورخيس ،في ورقة سابقة .
واليوم إذ نتناول أثر كافكا التعاقبي،بشيء من التقصي والبحث،
حتى تتجلى لنا الصورة ،واضحة، عن أسلافه الحقيقيين ، بما أنَّ لا أحدٌ يكتب من فراغٍ ،
وقد سبق أن قال مرة الكاتب الأرجنتيني بور خيس :
“بأننا نعيد نقش طرس طمست حروفه.” وهو محق في ذلك
كان لكافكا جملة مشهورة يرددها : ” لم ترشدني يدُ المسيحية في الحياة مثل كيركيجارد.”
سبق بورخيس أن قام ببحث مضن عن أسلاف كافكا،فاهتدى إلى مصدر أكثر قابلية للتنبؤ،
ألا وهي كتابات كير كيجارد، لأن الهدف العقلي لكلا الكاتبين شيء لا يجله أحد.
مالم يتم إبرازه بعد هو أن كير كيجارد ،شانه شأن كافكا.
ويضيف بورخيس أنه منّت عليه هبة إلهية،وإن بطريق المصادفة، حين وجد تقاربا مع كافكا ليس في الشكل بل في اللهجة. يتعلق الأمر بمثال – لهان يو- كاتب نثر من القرن التاسع ،وجده في الكتاب العجيب ( مختارات مدروسة من الأدب الصيني .لجورج مارغوبي.) ويؤكد أرثر ويلي،المهتم بالأدب الصيني،أن كافكا كان على إطلاع كبير بهذه الأدب،كما أن ويلي قرأ بحماس واهتمام النثر الألماني ،كما قرأ بوشوي والرواية البوذية “القرد” وكان ويلي لا يكف عن طاوية كافكا الطبيعية . لكن مع تقديرنا المناسب بكل الجوانب الصينية في عمل كافكا ،التي تلخص ما معنى الصغر .كالحيوانات الصغيرة التي أشار إليها جيل دولوز، وفيلكس غوتاري، اللذان يؤكدا أن لا قصة عند كافكا تقريبا تخلو من حيوان صغير. يؤكد هذا إلياس كانيتي ،المهتم بأدب كافكا ،
لايوجد اهتمام شبيه باهتمام كا كافكا بالحيوانات الصغيرة جدا، خاصة الحشرات، في أي مكان سوى في حياة وأدب الصينين. من عهود مبكرة أعتبر الصينيون الصرصار من بين الحيوانات المفضلة. خلال فترة حكم سلالة (سنج sung ) كان من المعتاد للناس أن يحتفظوا بصراصير يتم تدريبها وتحريضها لمقاتلة بعضها البعض. يرى بورخيس أن كل كاتب يصنع من سبقوه وبشروا به. كافكا في نظره ، لم يكتب من فراغ ،بل نجد أثره السابق في أعمال زينون الإيلي ( الحركة والزمن )
وفي الأدب الصيني القديم ( الحيرة أمام ما يبدو حقيقة مادية ) كيركيغرد ( مواضيع دينية عبارة عن أمثولات) وشِعر بروونين ( شاعرة رومانسية إنجليزية من القرن ١٩)
هكذا يبرر بورخيس إعجابه بكافكا ويعلل كيف اتخذه نموذجا للكتابة. كان يكتب بلغة ألمانية بسيطة، لأنه لاتهمه الشهرة، أكثر ما يهمه العمل . كان بورخيس يحاول تقليده شكلا ومضمونا، وكان يقول في هذا الصدد:( أنا أيضا كتبت قصصا حاولت من خلالها بشيء من الطموح وعدم الجدوى أن أكون كافكا. ثمة قصة وضعتُ لها عنوانا ” مكتبة بابل” وقصص أخرى ، كانت عبارة عن تمارين وحاولت من خلالها أن أكون كافكا.) لعل قراءة متأنية لقصص بورخيس تفي برصد أهم تأثيرات كافكا في نصوصه . ويمكن ،إجمالا ، القول إن الاقتصاد اللغوي، من حيث الأسلوب ، الفانتاستيكي، والعبثي، المهمينان على أجواء ومواضيع كافكا ، قد انتقلا ، إلى كتابة بورخيس. يلاحظ إلياس كانيتي، في كتابه ” محاكمة كافكا الأخرى” إنه يمارس بإدهاش أكثر ، وبطريقة فائقة المهارة لايضاهيه فيها إلا الصينيون : التحول إلى شيء صغير ، حيث إنه يمقت العنف لكن لم يجد في نفسه القدرة على مقاومته فإنه يباعد المسافة بينه وبين الكيان الأقوى عن طريق تصغير نفسه تدريجيا إلى ذلك الكيان. من خلال هذا الانكماش يحصل على ميزتين: تجنّبت التهديد عن طريق جعل نفسه صغيرا جدّا مقابل العنف، ويعفي نفسه من وسائل العنف الاستثنائية؛ الحيوانات الصغيرة التي ترغب تحويل نفسه إليها كانت عديمة الضرر. يلمح إلى أهميته اللاحقة. هنا فقرة من الخطاب لماكس: ” نحفر داخل أنفسنا مثل الخُلد وتظهر من قبونا مسودّينَ ومخمليي الشعر وأقدامنا الحمراء الصغيرة المسكينة ممدوة طلبا للعنف الرقيق.” كلمة (سلف ) في المعجم النقدي كلمة ضرورية، لكن ينبغي تطهيرها من أي تلميح إلى معنى الجدل والتنافس. *)
بعض المراجع المعتمدة:
مقال مترجم ،بنفس العنوان، أعلاه. للصديق حسن بوتكي. بمجلة قاف صاد.
لمجموعة البحث في القصة القصيرة. عدد مزدوج ٢١/١٣ ٢٠١٦.
كتاب. إلياس كانيتي.
محاكمة كافكا الأخرى ترجمة نعيمان عثمان