الحياة كما هي ..
11..
استقبلتنا مدينتنا بأجمل ما جادت به الطبيعة على الإنسان .. مناظر طبيعية جبلية خلابة تشرح الصدر وتفتح النفس لطلب المزيد ..
أشجار الأرز والصنوبر والسرو الباسقة , متشابكة الأغصان تغطي بكاثفتها جوانب الطريق فتنثر عليها ظلالا وارفة تضفي عليها جمالا وبهاء لا نراه إلا في مثل هذه الأماكن ..
تبدلت الأجواء التي حفتنا ، وازدان النسيم فيها بأريج أشجار الغابة ، وفاحت روائحها لتكتسح أنفاسنا فأنعشتها وأيقظتها ، وسرت في أجسامنا طراوة وبرودة شدت عضلاتنا ، وغيرت من هيأتنا .. بعدما نال منا العياء نتيجة التعب الذي لقيناه في سفرنا .
تحركت أمال لما أحست بالبرودة تسري في جسمها ، وبعدما أوقفت تشغيل المكيف وفتحت نوافذ السيارة قليلا .. فغمر عبق أريج الغابة فضاء السيارة الداخلي .. فتحت على إثره عيناها وعدلت من جلستها وهي تسأل ..
– أين نحن يا صابر ..؟
– وصلنا إلى مدينتنا بسلام .. ملي ناظرك بجمال الطبيعة هنا .. المناظر مختلفة عن ما هي عليه الطبيعة عندنا في مدينتنا ..
– نعم يبدو لي ذلك .. إنما نمت نومة ولا في الأحلام ..!
– بصحتك وراحتك صديقتي ..
– ماهذه اللباقة التي نزلت عليك فجأة ؟ هههه
– قد تخطئين في حقي .. فأنا مؤدب ومهذب .. ولكن الدنيا حظوظ .. كما يقال ..
– فليكن ..نقبل أدبك ولباقتك يا سيدي .. سنرى .. هل تستطيع المحافظة عليها دوما ..
– وهل تشكين في قدراتي وكفاءاتي في هذا المجال ..؟
– دعنا نتأمل الطبيعة واحتفظ بتحليلك إلى مناسبات أخرى ..
وصلنا إلى الفندق الذي حجزت فيه غرفتين ، في تمام منتصف النهار . فقد لمحت التوقيت في الساعة المثبتة على الحائط خلف المضيفة التي تكلفت بإنهاء البروتوكول المعمول به في مثل هذه الفضاءات ..
بمجرد ما ذكرتنا المسؤولة عن الإستقبال بأرقام غرفة كل واحد منا ، حتى رفعت أمال نظرها إلي من وراء زجاج نظاراتها الشمسية السوداء التي لازالت على عينيها .. وتيقنت من أن نظرتها قالت كثيرا من الأشياء .. إنما أحجمت على التفوه بأية كلمة .. استدارت أمال وأخذت حقيبتها الصغيرة بينما تكلفت المضيفة بحقائب السفر ..
اصطحبتنا إلى الطابق الذي يحوي غرفتينا عبر مصعد أنيق مضاء بشكل يكشف أدق تفاصيل ملامحنا .. اغتنمت المضيفة فرصة تواجدنا معا فأخبرتنا بمواعيد بداية تقديم وجبة العشاء ووجبة الفطور .. ومنحت كل واحد منا دليلا يضم تفاصيل عن خدمات الفندق ..
كانت غرفتي هي الأولى على يمين الممر ، بينما غرفة أمال الثالثة على يساره ..
قبل أن تفتح المضيفة باب الغرفة ، ذكرت أمال بالوقت الذي سنلتقي فيه بعد الإستراحة من وعثاء السفر .. هزت رأسها بالقبول ثم انحشرت في غرفتها ..
كنت في حاجة ماسة للراحة .. نمت حوالي ساعة . اكتفيت بهذا القدر .. رغم أن العياء لم يسحب جيوشه كاملة من جسدي .. لكنني حققت جزءا من رغبتي .. وأنا أنشف جسمي من البلل الذي بقي عالقا به بعد الدوش الذي أخذته .. لمحت شاشة هاتفي تضاء .. إقتربت منها فإذا بي ألفي رسالة نصية لأمال ..
– أنا في البهو ..
أجبتها على الفور ..
– سأنزل حالا .. صديقتي ..
وضبت حالي وهندامي ، ثم نزلت ..
بمجرد خروجي من كبسولة المصعد ، إذا بي ألمح أمال في هيأة مختلفة .. تراقبني هي الأخرى وتبتسم وهي تركز نظرها علي .. أسدلت شعرها في انسياب تام غطى جزءا من كتفيها والباقي ينزل إلى الخلف .. ركزت في مكياجها على العينين وعلى الشفتين ، فجعلت منهما بؤرتان للجذب والإثارة .. لبست قميصا فاتح اللون تنتشر على مختلف أجزائه زهورا قرمزية صغيرة ، زادها نضارة وبهاء ..
– مرحبا صديقتي .. ماهذا الجمال ؟ يا أمال ؟
أوشوش في اذنها بكلمات مجاملة .. تبتسم خجلا وهي تغير اتجاه نظرتها .. وترد علي بنبرة هادئة .
– شكرا صديقي صابر ..
– آمل أن فترة الإستراحة كانت كافية لضبط مزاجك وتعديل زمنك البيولوجي ..
– في الحقيقة لم أنم رغم محاولتي .. فربما كفاني ما نمته في السيارة خلال سفرنا .. وأنت ؟
– أزحت عني ثقل التعب الذي ألم بي جراء التركيز في الطريق وطول مدة السفر .. فأنا لم أسافر بنفس المسافة منذ مدة بعيدة .. فغفوت حوالي الساعة ..
– هيا بنا نبدأ جولتنا في مدينتنا ..
– سوف لن نحتاج لإستعمال السيارة ..
بعدما لاحظت أمال تقترب منها ..
– سنتنقل مشيا على الأقدام ، فالفضاءات بالمدينة قريبة من بعضها ، ولا تستدعي غير المشي .. وربما أنت مهيأة لذلك ، فحذاؤك مناسب لهذه الغاية ..
– أظن .. فأنا لا أحب انتعال أحذية كلاسيكية حينما أسافر .. حتى لا تتعبني أثناء مشيي وتنقلي .
– ممتاز .. سنتناول غذاءنا في مطعم مشواة الأرز ، ثم بعدها ناخذ قهوتنا في مقهى الصنوبر .. لننطلق بعدها في اكتشاف فضاءات المدينة ..
– ما رأيك في هذا البرنامج ؟
– خططت لكل شيء إذا .. ليس لدي ما أضيفه . فأنت تعرف خبايا المدينة جيدا .. لننفذ .. هيا بنا .
ونحن نتجول في شوارع وفضاءات المدينة وحدائقها ومنتزهاتها . فاجأتني أمال بملاحظاتها .. كما لو أنها لم تزر هذه المدينة من قبل ..!
– إنها مدينة نقية جدا وفضاءاتها مهيأة تهيئة راقية .. تختلف كثيرا عن المدن التي أعرف ..
– لم يسبق لك أن زرتها من قبل ؟
– ربما خلال زيارة سابقة كانت قد نظمتها ثانوتنا أيام الدراسة زمان !.. إنما لم أحتفظ في ذاكرتي بالشيء الكثير عنها ..
-لقد عرفت المدينة تحولات عديدة إثر عمليات التهيئة التي تحظى بها بشكل مستمر .. ولتدركي مظاهر هذه التهيئة وهذا الإهتمام المتزايد بالمدينة .. أنظري إلى الجبل خلفك .. ماذا تلاحظين ؟
تستدير أمال وتنظر تم تتساءل ..
– بناية ضخمة وراقية ..أهي فندق ؟
– سيدتي إنه القصر الملكي ..
– آه فهمت .. السر في النظافة والتهيئة الممتازة هناك إذا .. !
– سنزورها مرة أخرى إن شاء الله في فصل الشتاء أثناء موسم الثلج .. وسترين أن المدينة تتحول إلى كومات من الثلوج البيضاء الناصعة .. فتستقبل زوارا أكثر بكثير من ما هو عليه الحال الآن .. يحجون إليها للتمتع بهذه النعمة الربانية ..
– إن شاء الله .. سنرى هل ستفي بوعدك .. أم ستنسى .. فأنا لا أثق في ذاكرتك كثيرا .. هههه
– هل هذه مزحة .. أو معيورة ؟ إن كان في العمر بقية .. سنأتي إن شاء الله .. إنما إن تحقق الوعد .. ستؤدي ثمن ما تلفظ به لسانك الحاد .. أيتها الركراكية ..
– أيتها الركراكية ماذا ؟ لماذا توقفت .. ؟
– كيف جيتك ؟.. ركراكية وأفتخر .. هههه ..
– يا أيتها الركراكية الجميلة ..صافي .. هأنا أكملت كلامي .. غير تهناي . يا صديقتي ..
– على ذكر صديقتي .. تركز كثيرا على نطقك لهذه الكلمة .. هل تعطيها قيمتها ، أم أنك مجبر على التلفظ بها بسبب تأثير الظروف التي تمر بها ؟
– كلام قوي .. إلى ماذا تشرين بفحوى كلامك ..؟
– أنا أتحدث عن الصداقة في معناها العام والخاص ..فقط ..
– سيدتي دعيني أقول لك كلمة أحفظها جيدا عن الصداقة في معناها العام الشامل.. والواسع ..
– عادة ما يعطى تعريف للصداقة : بأنها تلك العلاقة الإنسانية طبعا التي تجمع بين شخصين على الأقل تستند على مجموعة من القيم .. من بينها الإحترام المتبادل والصدق ، لأن بدونهما لا تتم الصداقة بمعناها الصحيح ، بل تصبح علاقة مصلحية أو انتهازية .. ويمكن إضافة قيمة الأمانة للصدق ..
وتشمل الصداقة مجالات ذات الإهتمام المشترك بين الأصدقاء ، فتنمو بينهم سلوكات وممارسات عادة ما تجمع الطرفين على نفس مستوى الإهتمام وطبيعته .
وهذا ما يمكن تسميته بالصداقة الإيجابية .. أو الصداقة الكاملة .. المثالية .
– ههه محلل بمعنى الكلمة .. وفي أي خانة تصنف صداقتنا ؟
– عليك بتقديم وجهة نظرك أولا .. ثم سأدلي برأيي بعد ذلك ..
– قد أعطي تعريفا آخر للصداقة وسأجعله يحمل مميزات صداقتنا نحن .. أنا وأنت ..
– تفضلي .. فكلي آذان مستعمة .. يا صديقتي ..
– في اعتقادي .. الصديق ليس هو ذلك الانسان الذي يبسط كل أسراره أمامك أو يبوح لك بكل ما يثقل صدره فقط .. بل أظن أنه هو الشخص الّذي يجعلك تطمئن له حين حضوره معك ، أو حين غيابه عنك .. فتحس معه بالأمان ، وتثق فيه وفي كل أفعاله ومواقفه ، خاصة إذا وضعت في مواقف حرجة .. حادث ما ، مشكلة ، آفة ، صعوبات من صميم المعيش اليومي .. عندها تلجأ إليه في هذه الحالات ، وأنت مطمئن بأنك ستجد فيه السند والعون دون إنتظار المقابل ، بل يهب لمساعدتك بكل محبة وود وإخلاص .. لوجه الصداقة والعلاقة التي تربط بينكما ..
آنذاك تعرف أنه هو ذاك الصديق الحقيقي ..
– إتفق معك في كل كلمة نطقتها . بل تعريفك للصداقة أوفى وأشمل بالنظر لما قلته أنا ..
– يقال أن الصداقة هي الوجه الآخر للحب الذي يبقى على طبيعته الأصيلة ، ولا يتعرض للتلف ولا للصدأ أبدا ..!
تسكت أمال قليلا ونحن نخطو خطواتنا في أحد الشوارع المؤدية إلى مركز المدينة ، وقد بدأت درجات الحرارة تنخفض تدريجيا .. أحست إثرها أمال بأن البرودة بدأت تسري في أطرافها .. فدثرتها بجاكيط خفيف جلبته معي لمثل هذه اللحظات .. نظرت إلي من وراء زجاج نظاراتها القاتم ، ورسمت على شفتيها النضرتين إبتسامة جميلة .. ثم تابعنا خطواتنا ونقاشنا ..
– إن وجود أصدقاء إيجابيين في سلوكهم وأفعالهم في حياتنا ، قد يدخلون السعادة علينا .. وتضيق بذلك مساحة الوحدة بكل تبعاتها وانعكاساتها ..
– أتفق معك صديقتي .. بل أكثر من ذلك ينتج عن السلوك الإيجابي للصديق تجويد قدرة كل طرف على بذل العطاء أكثر .. فتتحسن إثره ظروف حياتهما معا .. وقد ينعكس هذا التحسن على قدراتهما العقلية والجسدية ، فتميل هذه القدرات نحو كل ماهو إيجابي .. والأمثلة هنا كثيرة جدا .. لعل من أهمها الإنخراط في العمل الجمعوي والتطوعي ..
– وماذا عن الحب ؟ ..
أصمت قليلا ، وأستشعر خطورة التسرع في الجواب في هذه اللحظات .. إنما علي الإبداء برأيي حتى لا أفتح الباب لتأويلات نحن في غنى عنها .
– ماذا علي أن أقول في الحب ؟ عليك بأغنية سيرة الحب للسيدة أم كلثوم فهي جامعة مانعة لكل معاني الحب .. ههه .
“طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب
وظلم الحب لكل أصحابه “
– أغنية جميلة جدا كلمات الشاعر المبدع مرسي جميل عزيز ، ولحن الفنان المتميز بليغ حمدي ، وأداء سيدة الطرب العربي أم كلثوم …
تعرف أمال بأصحاب الأغنية المعنية ..
– لكن وبالرغم من أننا نعيشه ونمارسه ونحيى به .. وقرأنا حولة الكثير مما كتب فيه .. إلا أن نظرة كل واحد منا عنه قد تختلف . أو قد نستعمل ألفاظا ورموزا وإشارات تعبر عن طبيعة حب كل واحد منا لمن يحب .. فبالرغم من أن الحب واحد .. إلا أننا نحب حسب رؤيتنا له وحسب مؤهلاتنا النفسية وميولاتنا العاطفية ، وأوضاعنا الإجتماعية ..
– أفصح يا فيلسوف .. ودقق أكثر .. هل الحب بالمفرد .. أم بالجمع ؟
– قضية هادي !! كنا في مجال محدد ، فإذا بك ترفعين درجة صعوبة الجواب .. الله يهديك .. لقد هرمنا .. ههه ..
– في اعتقادي وحسب ما ترسخ في ذهني من تعاريف عن الحب .. هو تلك المشاعر والحالات والمؤثرات العاطفية والعقلية الإيجابية التي تؤثر بقوة في الكائن المحب ، فينجذب وبشدة إلى الكائن الذي يحب ، ويتعلق به عاطفيا وعقليا ، ويحس بالغبطة والإنشراح كلما ذكره أو رآه أو إقترب منه ..
– يعني حالة الإنجذاب والرغبة في التواجد بقرب الحبيب والتعرف عليه أكثر .. ليزداد الإعجاب أكثر .. ويتولد الشعور بالسعادة .. ربما لدى الطرفين ..
– صحيح .. كلامك منطقي جدا .. وأضيف أن في حالة حدوث الحب بالشكل الذي تحدثنا عنه ، تصبح فيه قيمة العطاء والبذل أكثر حضورا مقارنة بالأخذ .. فتحدث المودة وتتوثق الروابط العاطفية بين المحبين وتتقوى أكثر ..
– في نظرك يا صديقي صابر .. ههه .. هل يمكن للصداقة أن تصبح حبا ؟
– لا زلت متمسكة برفع مستوى النقاش .. إلى اي مستوى ستبلغين فيه ..؟ إنما أعدك أنني سأعطيك رأيي لاحقا ..
– إتفقنا إذا .. ههه .
توافقنا في نقاشنا حول المفهومين .. الصداقة .. والحب .. ولو أنني تعمدت عدم الإستمرار في مسايرة أمال في لعبتها .. حتى لا أتورط عند تحليلي للمعادلة التي طرحت للنقاش ..
عدنا إلى الفندق وقد نال مننا العياء .. فربما بسبب عدم ممارستنا رياضة المشي بنفس الوثيرة منذ مدة ..
بعد المرور إلى غرفتينا .. والإستراحة قليلا . غيرنا ملابسنا لمواجهة برودة الليل ، خاصة وأن حفلة السهرة ستعرض في فضاء الحديقة والمسبح …
سبقت أجواء السهرة عشاء في القاعة المخصصة للإطعام .. عشاء رومنسي بامتياز ..كل الطاولات مضاءة بالشموع والزبناء في انسجام تام .. لا تسمع إلا همسا ..
أعجبنا كثيرا باللوحات الفولكلور المحلية التي قدمتها فرقة من الفنانين الشباب ، والذين دمجوا في عرضهم أغاني الرواد الكبار الذين ابدعوا في ألأغاني المحلية كثيرا ، وأغاني من إنتاج الفرقة .. إنما بقيت تتردد في أذناي أغنية تطربني كثيرا حينما أسمعها ، للفنان الكبير محمد ستيتو .. ” أمولا عين التوت راه عكازو من الياقوت ..أهه كلو تعالى ليا “..
لم تصمد أمال كثيرا أمام مواد السهرة بالرغم من إعجابها بها . فقد أخذ منها النوم مأخذه ، فأسرعت إلى غرفتها لكي لا تضيع عليها فرصة إدراكه هناك في السرير .
تأخرت قليلا عن الموعد الذي ضربناه للقائنا صباحا أنا وأمال .. فقد نمت نوما ثقيلا لم أتمكن معه من سماع المنبه .. حتى رن هاتفي بندائها ..
كان فطورا دسما وشهيا تم التركيز فيه على الطبخ والمنتوجات المحلية بامتياز .. فأسرفنا في الأكل بنهم كبير ..
عرجنا على مقهى الصنوبر كآخر محطة في جولتنا السياحية .. وبينما نحن نتأهب للجلوس إذا بسيدة تنادي على أمال ..
– مرحبا أمال .. فرصة سعيدة أنني التقيت بك .. متى وصلت إلى هنا ..؟
– أهلا وسهلا بشرى .. مناسبة جميلة هذه التي جمعتنا .. كيف حالك .. ؟
يتعانقان بود وحميمة وهما يتبادلان القبل والسؤال عن أحوال بعضهما البعض ، وكل ما يمكن أن يقال عند لقاء مفاجيء مثل هذا ..
بعدما هدأتا .. قدمتني أمال لأصدقائها فتعرفت على بشرى وزوجها وابنيهما .. تبادلنا جميعا عبارات المجاملة والترحاب .. ودعوتهم إلى مشاركتنا مشروبا .. إلا أنهم على أهبة المغادرة فقد سبقونا إلى المقهى ..
لاحظت أن أمال تتعامل مع إبني بشرى معاملة خاصة .. فأدركت مدى حبها للأطفال .. وهي تقسم على أن تؤدي عنهما ثمن المثلجات التي أختار كل واحد منهما .. فاغتنمت بشرى فرصة إبتعادهم عنا لتقول لي كلمات خاصة .. وبسرعة ..
– لقد حكت لي أمال كثيرا عنك .. وعن مواقفك معها في محنتها .. وقيمة وطبيعة علاقتكما .. أريدك سيدي صابر .. أن تعتني بأمال كثيرا ..
أقاطعها ..
– أمال في عيني لا تقلقي يا سيدتي ..
– أعرف مكانتها عندك .. لكن أطلب منك سيدي أن تضعها في قلبك .. لا في عينيك ..
وأشارت بسبابتها إلى موقع القلب ..
– هنا سيد صابر .. هنا .
ثم أضافت .. وهي تتأهب للإلتحاق بالمجموعة ..
– ليس في حياتها رجل إلا أنت ولم يحدث أن تعرفت على أحد غيرك ، منذ انفصالها عن سعيد ..!
ثم إلتحقت بزوجها وأبنائها ..
ودعنا أصدقاء أمال ، ثم أنطلقنا إلى وجهة سياحية أخرى .. مدينة صغيرة في طريق عودتنا ..
تتميز هذه المدينة باحتوائها لسوق مهم تعرض فيه المنتوجات التقليدية المحلية الصنع ، المختلفة والمتنوعة .. فوجدت أمال ضالتها فيه لتقتني عددا من التذكارات ، والهدايا ، والمنسوجات المحلية ، هدية لوالدتها ولإبنة خالتها ..
– أنظري إلى هذه الألبسة .. إنه طقم جميل مرصع بالصدفات الفضية اللامعة .. من إنتاج محلي .. آه إنه على مقاسك ..!
– صحيح كما ترى .. أعجبني فعلا ..!
– إنه هدية مني إليك يا صديقتي أمال ..
وبحركة سريعة طبعت قبلة خفيفة لثمت خدي الأيسر ، فأحدثت دبدبات في كل جسمي جعلتني أرتعش من دواخلي تأثرا واستجابة لفعلها ..
لم نتحدث كثيرا ونحن في طريق عودتنا ، فربما قلنا الكثير .. ولم يبق في جعبتنا ما يمكن إضافته إلى نقاشاتنا السالفة .. تعمدت أنا أيضا الهدوء إلا من كلمات ضرورية . إختارت أمال أغنية مطربها المفضل ، وشغلت الخازن الرقمي .. بأغنية ..” شوفو الهوى ومايديرفيا .. تبرى كيا يزدني كيا .. باغي الظالم يقضي عليا .. ويرتاح مني …. فمرة واحده “.. وهي تعدل المقعد لتستسلم للنوم ..
استرجعت في ذاكرتي كل تفاصيل الجولة السياحية وحاولت ترتيب أحداثها وتفسيرها وتأويلها .. فتيقنت في نهاية المطاف ، من أن مشروعا آخر في طور التبلور ..
ساعدت أمال على نقل حقائبها والهدايا التي أقتنت خلال جولتنا السياحية إلى باب منزل والدتها .. ثم رجعت لأغلق صندوق السيارة الخلفي .. لاحظت أنها لازالت لم تغلق الباب . فأشرت إليها بيدي تعبيرا عن توديعها .. لكنها ردت علي بإشارة أخرى لها دلالتها ..
قبلت أناملها وبسطت كفها ثم نفخت فيه في إتجاهي ..
بعدها أغلقت الباب مبتسمة ..