الحياة كما هي 4

 

أعياني البحث في مخيلتي عن أسباب النزول لفهم دوافع وأسباب هذه المكالمة .. لماذا جاءت إذا بالصيغة التي اختارها إبني ، وبهذا الشكل بالضبط ؟.. لماذا كان مضمونها ناريا حارقا لا يحتمل ولا يطاق ؟ .. لماذا حملها كل هذا الدمار الذي أتى على كياني وأرداني نفسيا ومعنويا وحتى ماديا ؟.. لم أبلغ مناي ولم أرو عطشي المتزايد في البحث والتمحيص ، وتجريب كل هذه الأدوات التي اعتمدت عليها للخروج بنتيجة شافية قد تزيل عني قليلا من الحنق والهم ..
أمام صعوبة الموقف وتلاشي خيوط البحث ، وانسداد المسالك المؤدية إلى الحلول الممكنة .. قررت أن أتوقف عن النبش في أسباب النزول . وتذكرت موعدي مع صديقتي أمال . ربما سنبحث معا عن الدواعي والأسباب ونبسط كل الآليات التي سنستخدم معا طبعا ، للوصول إلى الحقيقة .. حقيقة المكالمة ..
هههه الحقيقة .. أية حقيقة ؟
وهل هناك من الإنس من يبلغها ؟ لا أظن . الحقيقة مرهم يستعمل لإخفاء تجاعيد وآثار الزمن على حياتنا .. ويخفي الملامح السيئة لمسار الحياة التي يقطعها الفرد .. أي فرد . فقيرا أو غنيا . عالما أو جاهلا أميا أو متعلما . وقد نسرد من الثنائيات ما يغرق صفحاتي إلى ما لا نهاية .
لكن أين الحقيقة . ؟
بحث عنها الفلاسفة والمفكرون على إختلاف مشاربهم ، والذين نذروا عقولهم وحياتهم لتنوير الإنسانية بما اعتبروه صالحا لها من نظريات وقوانين وأبحاث ومقولات .. فهل فعلا نحتاج كل ما أنتجه هؤلاء من أفكار لتيسير الحياة والعيش السليم القويم .. المنطقي أحيانا ؟ أم فقط نؤثث بها أيامنا حتى لا تكون متشابهة ورتيبة ومملة .. فنرفع بعضا منها درجات وننزل أخرى إلى الدرك الأسفل حسب رؤيتنا وفهمنا وتأويلنا لمنطق وبرهان الحقيقة ..؟
الحقيقة زئبقية تنفلت كلما اقتربنا منها ، لا نقدر عليها .. تتمدد أحيانا وتتقلص وتختفي أحايين أخرى .. وحتى وإن حدث وتجلت لنا ، لن نتمكن منها كاملة .. لكن قد تسعفنا خطواتنا الواقعية أو الإفتراضية .. المحسوسة أو المعنوية إلى بلوغ بعض منها .. لكننا لا نتمكن منها كلية دائما .. لا لشيء إلا لأنها لا تفصح عن مكنونها ووجودها .. تلتهم أوقاتنا وزمان تفكيرنا وتنهك قوانا ولكنها لا تنجلي من ضبابها الكثيف أحيانا أوالمتخلخل أحيانا أخرى ..
أنا أومن بالحقيقة ، ولكن لا ألمسها ولا أعيشها حقيقة كاملة تامة .. فما ألمسه وأحياه انعكاسا لها لاغير .. أما الحقيقة .. فعلمها عند بارئها .. كما الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو ..
إلتهمت روايات وقصصا وأشعارا منذ أن تعلمنا القراءة والكتابة . وإستمتعنا بها ، بالرغم من عسر الإمكانيات ونذرتها . إستفدنا من قصص محمود تيمور ومعروف الرصافي والمنفلوطي .. وغيرهم منذ أيام الدراسة بالتعليم الإبتدائي . والفضل يرجع الى معلمينا الأجلاء الذين كانوا يحدثون مكتبات الفصل التي أعتبرت زادنا وزوادنا في المعرفة والفهم والتعلم والتحصيل ، بعيدا عن المقررات الدراسية أو تتميما لها لا أدري .. إنما كانت قصصا مليئة بالمواعظ والعبر والدروس في فن الحياة وحقيقة العلاقات الإنسانية والتواصل والحب والتضامن والتكافل والرأفة بالغير وبالحيوان وبالنبات .. كنا نحب هذه القصص التي أرست لدينا قواعد الشغف بالقراءة الموازية .. بل كنا نحفظها عن ظهر قلب أحيانا ..
تعرفنا فيها عن حقيقة عظمة الأب وحب الأبناء له والإعتناء به عندما يبلغ من الكبر عتيا .. وغيرها من السلوكات الحميدة التي كانت تبثها هذه الكتيبات الصغيرة والبسيطة في كل شيء إلا من مضامينها ودروسها وعبرها ..
إرتقينا في قراءاتنا ، في ما بعد إلى مستوى أرفع مع كتابات الشاعر جبران خليل جبران وشوقي .. وروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ .. وتوفيق الحكيم وبعدها عبد الرحمن منيف والطيب صالح .. والزفاف والطاهر بن جلون وغيرهم من الكتاب والمبدعين المغاربة .. بنجلون علال الفاسي كريم غلاب .. التقليديين والمعاصرين والحداثيين ..
لقد أتخمنا بالأفكار حول الحياة والوجود والعلاقات الحميمية والفوضوية .. وتجليات السير الذاتية واستقراء ماضي الكتاب وأسرهم وعائلاتهم والتحولات التي عرفتها مع تواتر الأزمنة والامكنة .. لينتقلوا بنا إلى عموم البلاد والعباد ..
أضنانا البحث عن حقيقة الحياة وتجلياتها وفهم العلاقات المتحكمة فيها المتشابكة والأحادية .. فلم يسعفنا كثرة الإطلاع والقراءات على تحقيق أهدافنا .. غير أن دروس الحياة ومواكبتها وعيش خضمها وبلوغ مستوى فك أواصلها بالإعتماد على القدرات والمهارات الشخصية ، يعطيك نشوة لا مثيل لها .. في فن الحياة والرقي بالتجربة الشخصية إلى مستوى أعلى وأسمى .. وقد يتيسر بلوغ جزء من هذه الحقيقة !
هكذا إذا .. ما حك جلدك مثل ظفرك. .. فأنت ولي أمرك ..
لا تنتظر الحلول من الآخر .. هو يدلي بدلوه .. قد يصيب وقد يخطيء . ولكن تسعفنا محاولاته وتثري التجارب والممارسات التي نستند عليها في بحثنا لتحقيق مرادنا .. فالعقل المفكر والمليء .. أفضل بكثير من الفارغ البسيط ..
لم أنم ولم يغمض لي جفن .. لم أحلم ولم أسرح في عوالم الخيال .. بقيت القضية المعلومة جاثمة على عقلي لم أتمكن من التخلص من وقعها وآثارها .. بل إستبدت بتفكيري والزمتني البقاء في دائرة البحث في تشابكاتها وتعقيداتها ورمت بي في متاهات مظلمة باردة لا نهاية لها ..
أين الحل اذا ؟
سؤال يطرح دائما وببلادة أحيانا لا نعي مخلفاته !
أين الحل .. لقد إقترحت علي صديقتي أمال أن نفكر فيه سويا لماذا العجلة إذا ؟
سأنتظر بزوغ الصباح لأهاتفها ونحدد موعدا للقاء .. فأيامي خالية من أية برمجة .. قد يكون اللقاء صباحا أو في الزوال أو حتى خلال اليوم كله .. حتى هي لا ترتبط بالتزامات مهمة على ما يبدو . إنها في عطلة .. ستجد الوقت الكافي لمجاراتي في هواياتي البائسة ..
التسكع والكلام ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top