الحياة كما هي 5

لم أتمكن من إغماض جفوني رغم تمددي على السرير وإطفاء النور ..
شغلتني كثيرا تلك المكالمة اللعينة ، وعادت لتستفز تفكيري وهدوئي المؤقت بعد التوقف عن الخوض فيها ، ورمت بي في دوامة من التخيلات المقيتة السوداء .. ركبت مغامرة البحث عن سبب واحد جعل إبني يغير طبيعة التواصل والحديث معي إلى الصيغة التي عبر بها أثناء مكالمته .. فلم أفلح في العثور على مقدار ذرة من ما أبحث عنه علني أقتنع أنه على حق .. وأنني نستاهل هاد التمرميدة … !
أراجع الزمن على شاشة هاتفي بين الفينة والأخرى وأنا أستعجل النور كي ينبلج ويبدد الظلام الذي غشي عقلي وبصري وتفكيري وكل كياني .. الظلام في كل شيء .. أريد بزوغ الصباح .. أليس الصبح بقريب .. وأنا أرقب الساعة بدون توقف .. لازال الوقت ليلا .. بقيت على الأقل ساعتان لكي تصل أولى خيوط النور إلى غرفتي ..
أريد أن أهاتف صديقتي أمال ! ماذا سأقول لها بعد كل الحكي السادج التي أسمعتها خلال ليلة البارحة .. لا شيء ..
ربما قد أقطع عنها حبل النوم والراحة بدون سبب معقول .. وأجبرها على مجاراتي في مهزلتي ..
لا..
لن أفعل .. سأتركها تنام .. إنها في حاجة إلى النوم لتواجه يومها .. لقد أجبرتها على السهر وأنا أحكي لها حكايتي .. مسلسل حياتي البائسة التعيسة التي لا تساوي في قيمتها جناح بعوضة كما يقال ..
لا شيء .. مجرد كومة من التفاهات ..
يا إلهي .. كم هو مؤذي هذا الألم الذي أعانيه .. لازال طنين الصداع يخترق رأسي ويصم أذناي .. ماذا عساي أن أفعل لتهدئة جزعي ؟
كنت قرأت مرة في بيست سيلر عن أشكال مجربة من وصفات للتخلص من آثار الدمار النفسي ، والآلام التي تحدثها بعض الصدمات المفاجئة ..
ينصح في مثل هذه الحالات أخذ دوش بارد . أو شرب كوب حليب ساخن .. أو المشي لبضع عشرات الأمتار ..
ربما سيتبدل الحال ، وأهدأ قليلا .. أو قد يتبدل الوضع إلى الأفضل ، فأفوز بنومة لذيذة ..!
لا أثق في مثل هذه التراهات ..
لماذا لا أثق بها .. لأن هناك من بلغ به الإستخفاف بذكاء الإنسان ، إلى درجة أنه أوصى بالإكثار من التبسم .. فالإبتسامة تبعد الكآبة والتدمر النفسي ..!
أبتسم لمن ؟ أبتسم مع نفسي .. في خلوتي .. وأنا مستلقي على سريري ؟
أليست هذه قمة الهراء ؟ راه الحماق هذا !!!
إن من يعيش المشكل ويعاني من تبعاته ، ليس كمن يسمع به فقط !
أصبح المشكل متمكنا مني .. ومن كل كياني .. كل جزء في جسمي يئن من شدة وقع المشكل عليه .. توحدت كل أعضائي لتدعو لي بالسهر والحمى ..
هل تتحمل أمال مسؤولية ما يحدث الآن ؟ .. لأنها ألحت علي في أن أحكي .. كل شيء .. وهي تفسر فعلي هذا بأنه ترياق مجرب لتخطي المشاكل وتجاوزها بنفس السرعة التي أتت بها .. ها أنا ذا لا زلت في خضم المشكال ، فلماذا بقيت ولم تغادرني ؟ هل أعجبت بي وبنفسيتي المنهزمة ، وعقلي الشارد دائما ؟ أم ربما لم أحسن أتباع الوصفة كما حددها العارفون بوصفات إبعاد المشاكل عن الإنسان في دقائق بعد الحكي .. حكي أي شيء أثر في نفسيتك !!
لا زال الحال كما بدأ .. لا تبديل لحدة المشكل ، ولا تخفيف للمعاناة التي تسبب فيها ..!
لماذا لا أجرب طريقة أخرى .. وصفة بديلة عن الكلام .. أصمت وأتمدد واغمض عيناي وأمثل النائم الغاص في نومة ثقيلة .. ربما سأنسلخ من هذا الكابوس اللعين ..
لا زال السكون سيد الأماكن بالخارج .. لا زالت أصوات العصافير لم تعلن بعد عن قرب وصول بشائر الصباح .. لا هرج ولا صياح الأطفال وهم يتجاذبون أحقية اللعب في الدرب …
تذكرت كلام الطبيب الأديب أنطوان تشيخوف وهو يصف البديل عن مثل وضعيتي ..
“…حين لا تحب المكان استبدله ، حين يؤذيك الاشخاص غادرهم ، حين تمل إبتكر فكرة جديدة ، حين تحبط اقرأ بشغف ، المهم في الحياة ألا تبقى متفرجاً …”
لنبدأ بتغيير المكان .. أين سأذهب يا ترى ؟
وهل مغادرة الأشخاص الذين يؤذونك سيبعد عنك المشاكل ؟ وهل يقصد شيخوف كل الأشخاص ؟ .. بما فيهم أقرب الناس إلى قلبك ..؟ الأبناء ؟ من الصعب التمسك بهذا الحل وتنفيذه .. على الأقل حاليا وفي هذه الظروف الموبوءة ..
لنجرب الطرح الثالث .. القراءة ؟
لكن ماذا نقرأ ؟ .. وكيف نقرأ ؟
هل نقرأ كل ما يقع عليه بصرنا ؟ .. أو علينا أن تنتقي الأفيد للقراءة حتى لا يضيع وقتنا سدى .. ونضيف محنة ما نعيشه إلى محنة هدر الوقت بلا فائدة ..؟
لكن تشيخوف كان واضحا وصريحا في وصفته ..
المهم أن لا تبقى متفرجا تأكلك المشاكل . تحرك إفعل شيئا ما ..!
كان علي أن لا أجاري صديقتي أمال في إقتراحها بأن أحكي لكي أشفى من سقمي .. وكان علي أن أمتنع عن تلبية طلبها رغم إلحاحها فيه .. لقد كنت رخوا أكثر من اللازم .. وأنسقت لأقتراحها بسرعة .. ربما قمت بذلك وأنا أستحضر مكانتها في حياتي . أعتبرها بديلا عن من سواها من البشر الذين أعرف ، في البوح لها بما أحس به .. إنها تبادلني نفس الشعور .. لها حكايات .. آه لو يسمعها الأموات يأتون من أجداثهم حفاة عراة لينصتوا ..!
لكن حصل أن حكيت ، ووحل الفاس فالراس !
هل هذا إستسلام ؟ لربما سيتغير وضعي للأفضل إن أنا فكرت قليلا ، وحاولت الحفر في عقلي وذاكرتي .. بحثا عن مخرج ينهي متاهتي ، ويعيدني إلى مسار حياتي العادية ..
فالمشاكل ليست أبدية ، ولكل مشكلة حل .
المشكلة الوحيدة التي ليست لها حل نهائي .. على الأقل من منظور التطور العلمي والتكنولوجي الحالي .. هي الموت !
حسب مقولة لشكسبير …
آه نسيت .. كان علي أن أشرب أكوابا من الماء .. فقد قرأت مرة في أحد مواقع الطب الطبيعي أن شرب الماء بكثرة .. خاصة إذا كان دافئا .. يساعد الخلايا على التمدد والتشبع بالماء فتسترخي العضلات ويستريح الجسم .. وربما أنام .. كان علي أن أفكر في هذا الحل الطبيعي منذ البداية لأنام ..
لا أدري لماذا لم أتذكر هذه الوصفة ..
لا بأس لنجرب ولا نبقى متفرجين ، لنتحرك كما يوصي تشيخوف بذلك !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top