” رواية ” نفس الله ” لعبد السلام بوطيب و تمثلات سؤال العدالة الإنتقالية
محمد علوط
تقوم هذه رواية ” نفس الله ” لغبد السلام بوطيب الصادرة عن منشورات النورس 2025 على ما يُمكنُ أن نُسَميّه ب[ تشكيل الأنساق المتوازية]
حيث يتشاكل بناء العمل الروائي من خلال مصفوفة سردية تعتمد تسلسل الأعداد الرقمية (من 1 إلى 15) و مصفوفة حوارية بترتيب ألفبائي (من ألف إلى دال).
بناءٌ فَنّْي بديع يدل على أنَّ الكاتب عبد السلام بوطيب متمكن ضليع في أصول وتقنيات الكتابة الروائية بصيغة جامعة بين الإمتاع والإفادة،
وتوحد الفن والفكر، وإجادة تسخير الكلمة الأدبية من أجل المرافعة عن الحق العام، والحريات المشروعة والمكتسبة، وتدبير شؤون العدالة الانتقالية ما بين زمن لمصادرة الذاكرة بالنفي والاعتقال، وزمن للتفكير الحواري من أجل ترسيخ وعي ديموقراطي وإنساني بالهوية يقوم على قيم العدالة والمساواة,
أبطال الرواية متعددون، لكن مفهوم البطولة في هذه الرواية التي تمتح من أسلوبيات/ الرواية – الشهادة (Roman de témoignage)،
يظل هو مفهوم [ المُواَطَنَةُ الحرة ] لأن جوهرها الأدبي يسعى في تأسيساته إلى تصحيح الهشاشة المؤسساتية بخصوص الحريات والحق العام وبناء الذاكرة المشتركة المؤمنة بالتعدد وجعل مفهوم الإرث الإنساني في أساس وصلب كل تفكير حول الحرية والهوية والذاكرة والعقل والإنسان.
المصفوفة الحوارية الألفبائية تتمركز حول شخصيتين :
الكاتب في الرواية : وهو بمثابة [أنا ثانية (Alter égo)] لكل من الكاتب الفعلي للرواية (عبد السلام بوطيب) وشخصية أحمد في المصفوفة السردية، والكاتب في الرواية هو بمثابة جسر بين الواقع والتخييل وبين النص والقارئ.
جلجل: شخصية منحها الكاتب بعدا فانطستيكيا (بين الغرائبي والعجائبي) شخصية تخرج من منجد الطلاب (طبعة عراقية) تقدم نفسها باعتبارها وصيا على اللغة العربية [كلغة أصل ميتا فيزيقي متعال عن الآنية والسيرورة التاريخية].
وقد جعل الكاتب في الرواية حواراته مع (جلجل) سماداً معرفيا لمطارحة موضوع : ديموقراطية اللسان، والتعددية اللغوية كحق إنساني مشروع ونبذ كل تأويل مؤدلج لإستعمال اللغة ، والحوار بين الكاتب في الرواية وشخصية (جلجل) هو على العموم [حوار بين العقلانية والأصولية).
تضم المصفوفة السردية ذات التبويب العددي ما يقارب الأربعين شخصية فعلية ، شخصيات من الواقع مصبوبة في قالب تخييلي لكن العمود الفقري للرواية يمحورُ التركيز على كل من شخصيتي أحمد وأنجيلا . تقدم لنا الرواية هولندا باعتبارها فضاء كل من أحمد وأنجيلا
حيث يعيشان [زمنا آخر] لاجتثات الذاكرة يبتدئ من سنة 1976 ولا يتعرفان على ماضي حياتهما قبل هذا التاريخ، أحمد بفعل حادث وهمي بأنه تعرض إلى ضربة على الرأس أفقدته الذاكرة قبل هذا الحين والحقيقة نكتشفها في آخر الفصول، وهو أنه فقد ذاكرته جراء التعذيب في معتقل درب مولاي الشريف، في سياق الاضطهاد التعسفي لحركة اليسار النضالي لطلبة الجامعة القاعدين (فصيل (أ) و (ب)),
تعرف أنجيلا كل حقائق هذا المسار، وهي كعاشقة لزوجها أحمد منذ أيام الجامعة، وما قبل الاعتقال ضحت بماضي ذاكرتها [المغربية] بمحو إسمها الأصل (لويزا أوبن عقا)، وابتدآ معا حياة بجنسية هولندية [متنكرة] حيث تزوجا وأنجبا إبنا وبنة، بدورهما لا يعرفان أي شيء عن أصولهما المغربية الحقيقية (نوميديا وناصر ميغيس).
وعلى طول امتداد هاتين المصفوفتين (الحوارية والسردية) وعلى خلفية لزمن الحصار الكوفيدي يشرع السرد في ترميم أعطاب الذاكرة المشتركة، في حبكة شيقة لملأ تقوب وخانات المحو التعسفي من خلال التذكر والأحلام والكوابيس والنضال للم شتات النصوص المغيبة في ترحل جغرافي بين هولندا والمغرب من خلال روابط التواصل الاجتماعي، والقراءة في نصوص الذاكرة المعتقلة، ومد الجسور بين الماضي والحاضر بحثا عن مسالن الهوية المصادرة.
ينهض الأفق الدلالي لرواية (نفس الله) على مبدأ تشاكل محور عمودي ومحور أفقي، المحور الأفقي مؤسس حبكة الرواية وهي تجعل من مبدأ النسيان التمثيل التراجيدي لمحو الذاكرة بفعل مصادرة الحريات والاعتقال التعسفي والتعذيب.
أما المحور العمودي فهو بمثابة الخزان المعرفي الذي تقارب من خلاله الرواية المستويات التالية:
سؤال الذاكرة المشتركة والعدالة الانتقالية.
سؤال الهوية والتعدد اللغوي.
الاعتقال التعسفي والتعذيب (درب مولاي الشريف – تازمامرت)
تجربة المصالحة والانصاف.
الحراك والربيع العربي.
الحقوقيات النسائية.
مسألة الحريات بين الخطاب العقلاني والخطاب الأصولي.
على مستوى البناء الروائي واللغة وتقنيات السرد أجاد الكاتب في صنعة الحوار الروائي وهو يتخلل نسق السرد الحدثي، ومن داخل لغة الحوار الروائي تنظم مجل أنساق المرافعة عن القضايا التي يطرحها المحور العمودي، مرافعة أدبية راقية الأسلوب استطاعت إبراز أن أحمد ليس هو الضحية حصريا لتشمل نطاق الأسرة ثم نطاق المجتمع ككل، لأن كل ضحية هي نسيج اجتماعي علائقي يجعل دائرة الألم والمعاناة والاضطهاد تتسع وتأخذ نسقا بنيويا متجذرا في البناء السوسيو ثقافي العام.
هل نحن بصدد [رواية سياسية] ؟ سؤال جدير بالطرح، فنحن إذا نظرنا إلى المتن الروائي المغربي نجده قد راكم عناوين كثيرة ثم تصنيفها من طرف النقاد ضمن (أدب السجون) ونحن نذهب إلى إضافة بعد آخر إلى هذا المتن الذي سنسميه ب [الرواية الحقوقية] وهي الإبنة الشرعية لكل من روايات السجن وأيضا محكي الذاكرة وشهادات المنفى.
نصوص عبد القادر الشاوي، ونصوص الذاكرة الجماعية الأسيرة : “تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم” لمحمد الرايس و”تازمامرت الزنزانة رقم 10″ لأحمد المرزوقي و “تازماموت” لعزيز” لعزيز يبنين و “كابازال” لصالح وعيادة حشاد و “عملية براق ق 5” لأحمد الوافي و”تلك العتمة لباهرة للظاهرة بنجلون.
هو متن لالتقاء الرواية بالسيرة الذاتية، وأدب الذاكرة الجماعية حيث يتلاقى أدب السجن و الاعتقال ومحكي للشهادة ثم مجمل صوص المنفى .. ما من شك أنها كل كل أعمال أدبية تبنت لغة السرد ، يوحدها في ذات الآن سؤال الذاكرة الجماعية وخطاب المسألة الحقوقية و العدالة الإنتقالية .