الروائي كازو ايشيغورو

أغبى شيءٍ سمعته هو أن تكتب ما تعرفه :
.
.
الروائي كازو إيشيغورو حائز على جائزة نوبل في الأدب،

أعماله: “بقايا اليوم”، “لا تدعني أذهب أبدًا”، وأحدثها “العملاق المدفون”.

لدي إعجابٌ كبير بأسلوبه السلس في أعماله التي تستعرض أوجه عِدة واضحة كوضوح الماء البارد بِخفة طرحها. ولقد استطاع إيشيغورو بِكل براعة أن يتميز بين الكُتاب القلة الذين لا تشوب أعمالهم شائبة، والناجحين اقتصاديًّا واجتماعيًّا. لذا، إن كنت ممن يرغبون في اتباع نهجه وحذو حذوه (أوكنت ممن لا يرغبون في ذلك!) فإليك في هذا المقال بعضًا من الخطوات، ما أحب أن يكتبه وما لم يرُقه، وبعضًا من النصائح للكُتاب المبتدئين.

– إياك وكتابة ما تعرفه!
“أغبى شيءٍ سمعته هو أن تكتب ما تعرفه”. لأن نصيحة “اكتب ما تعرفه” تدفع الناس إلى أن يكتبوا السيَر الذاتية المُضجرة! وهذا يُنافي تحفيز مُخيلات الكُتاب وإمكانياتهم تمامًا.

(من مقابلة مع مجلة الشورت لست).

– لا تتقيد بحدود التصنيف الأدبي.
هل من الممكن أن يكون ما نعتبره شُروطًا للتصنيف الأدبي، أشياء مفتعلة من دور النشر أو صُناع المحتوى؟ لأنني إذا وضعت للكاتب أقسامًا معينة وشروطًا مُحددة، فلا شك بأنه سيُقسم أعماله بناءً على هذه الشروط. لقد شعرت فعلاً بالقلقٌ عندما وجدت القُراء والكُتاب يأخذون هذه المعايير على محمل الجد، ويشعرون بأن هُنالك شيئًا مُضطربًا حينما لا تُتبع هذه الشروط. ولهذا يجب عليك أن تكون شديد الحذر حين تُقرر أن تفعل ذلك وأن تخرج من إطار المألوف، أنا أُفَضل أن أحلِّل الأمور بِشكل أكبر! أظن أن السبب وراء ذلك يعود إلى كوني مُضادًّا لأي منهج يضع شُروطًا تُقيد المُخيلة، وإن كانت هذه الأمور نابعة من أهدافٍ تسويقية أو مجتمعية.

(من محادثة مع نيل جايمان في مجلة نيو ستاتس مان).

– اكتب بمشاعرك لا بالمبادئ.
لا أستهدف أي نوع من المبادئ الواضحة والصريحة ولم أستخدمها في أي من رواياتي، بل أُفضل أن تكون الأضواء مُسلطة على الخِصال الإنسانية. فلا أقول افعل هذا واترك ذاك، لأن المشاعر من وجهة نظري الخاصة عنصر هام في تكوين الرواية.

(من مقابلة مع مدونة الهف بوست).

– في الواقع، ابدأ بالعلاقات.
لقد اعتدت أن أُفكر في ماهية الشخصيات، وكيف لي أن أوضح خصالها واختلافاتها ومميزاتها. ثم اتضح لي أنه يتحتم علي أن أسلط الضوء على العلاقات عوضًا عن ذلك، وهكذا ستتضح خِصال الشخصية بتلقائية وعفوية وستتبين جميع الجوانب معها. يجب أن تكون العلاقات طبيعية وغير مصطنعة، ويجب أن تكون دراما إنسانية. لدي قليلٌ من الحيرة تجاه القصص التي تتخذ نهجًا محدودًا، وفجأة تجد نفسك أمام نقاش للشخصيات من قبل الخوض في أي تفاصيل تُعرفك إليهم في المقام الأول. لطالما تساءلت عن العلاقات التي تثير اهتمامي: هل العلاقة مرحلة؟ أم أنها شيءٌ نمطي مُعتاد؟ أم شيءٌ أعمق وأكثر أهميةً ودهشة؟! يمكننا المُقارنة بين العلاقات مثلما يقارن الناس بين الشخصيات الخاوية الركيكة والأُخرى الجيدة الواقعية الملموسة.

(من مقابلة مع ريتشارد بيرد).

– جرب “التصادم” لِتجنب المُلهيات.
عندما يتعلق الأمر بِكتابة الروايات، فكثيرٌ من الكُتاب يلجئون إلى العمل عليها لِساعاتٍ طويلة. والسائد بين الكُتاب أنه حينما تنقضي أربع ساعاتٍ أو أكثر من الكتابة ستقل النتائج العائدة من هذه الكتابة، وأنا أؤيد هذه النظرية تقريبًا. في صيف ١٩٨٧ اقتنعت بأن هذا الأسلوب كان مطلوبًا بِشدة، ووافقتني زوجتي لورنا الرأي كذلك ووضعنا خُطة. في خلال أربع أسابيع سأفرغ من يومياتي بلا تهاون، وسأفعل ما أسميناه بطريقةٍ ما “التصادم”. وخلال هذه العملية يتحتم علي أن أكتب من التاسعة صباحًا وحتى العاشرة والنصف مساءً على مدار الأسبوع. لدي ساعة واحدة للغداء وساعتين للعشاء. لم يكن بمقدوري الرد على رسائلي، وعلاوة على ذلك لم أستطع رؤيتها ولا الاقتراب من هاتفي. زوجتي لورنا، على الرغم من جدولها الممتلئ، تولَّت حصتي من الأعمال المنزلية ومُشاركتي في الطبخ ولم يأت أحدٌ إلى المنزل. وكما كنا نأمل لم أُنهِ الكمية التي أردتها وحسب! بل وصلت إلى الحالة النفسية التي تجعلني أشعرُ بِعالمي الخيالي أكثر من الواقعي الذي أعيشُ فيه، وهذه هي الطريقة التي كتبتُ بها روايتي (بقايا اليوم). كنتُ أكتب بدون الالتزام بنمطٍ مُعين ولم أهتم إن كان هُنالك شيءٌ كتبته في الصباح يتعارض مع ما كتبته في المساء، كانت الأولوية لجعل الأفكار تنموا وتتصاعد وتتزايد. الجُمل المُريعة، الحوارات الشنيعة، والمشاهد عديمة الفائدة.. كل هذه الأفكار لم أمنعها من الظهور.

(مُقتبس من “كيف قمت بكتابة (بقايا اليوم) في شهرٍ واحد” من جريدة الجارديان البريطانية).

– اغتنِم المسودات.
لدي مكتبان: الأول عليه لوح الكتابة اليدوية والآخر عليه جهاز كمبيوتر من عام ١٩٩٦، غير مُتصل بالإنترنت. حينما أكتب المسودة المبدئية أفضل استخدام الورقة والقلم، وغالبًا ما أرغب في أن يصعب فهمها على أي أحدٍ سواي. المسودة الغير منظمة هي فوضى عارمة، لم أُلقِ بالًا للشكل ولا للسياق أو الترابط. احتجتُ فقط إلى أن أكتب كُل ما في ذهني على الأوراق. وإذا واجهتني على حين غرة أي فكرة لا تتناسب مع ما كتبته من قبل، فإنني أكتبها وأُرفقها بملحوظة لأعود وأفرزها لاحقًا. ثُم أعمل على ترتيبٍ شامل لِكُلِ ما كتبته، أُرقم الأقسام وأضع كُلًا منها في مكانه المُناسب. ثم مع الوقت أجد نفسي قد أتممت مسودتي الثالثة. أعتني بِما أكتبه لأنني في هذه المرحلة لدي الكثير من الأجزاء والنصوص المميزة عن بعضها البعض والتي تحتاج إلى أن أُعيد صياغتها مرةً تِلو الأُخرى.

(من مقابلة مع مجلة باريس ريڤيو).

– احمِ عقلك من المؤثرات المُشتتة.
عندما تُقرر أن تكتب يكون إبقاء حالتك الذهنية الخيالية محمية دون مساس أمرٌ أشبه بالمعركة! في الواقع حينما أكتب أُحاول الابتعاد عما قد يُخرجني من الهالة الحسية التي تُحيطني وأنا أعمل. على سبيل المثال: حينما كُنت أكتب رواية (العملاق المدفون) لم أُشاهد قط أي حلقة من مسلسل (جيم أوف ثرونز). بدأ هذا الأمر حينما كنتُ غارقًا في الكتابة وطرأ في ذهني أنني إذا قُمتُ بِمشاهدة مثل هذا المسلسل فمن الممكن أن يؤثر ذلك على طريقة تصويري للمشاهد والأجواء في العالم الذي أُعده في روايتي.

(من مقابلة مع مجلة الأدب الإلكتروني).

– وازِن اختياراتك.
مُعظم الكُتاب يتوصلون إلى نقاطٍ محددة بِوعي تام وأخرى بوعي أقل. في حالتي الخاصة أرى أن الراوي والأوضاع في الرواية يجب أن يكونان موزونان، بِمعنى آخر يجب عليك أن تولي اختيارك للمواضيع أهمية كبيرة لأن الموضوع يتبعه مجيء جميع الأصداء التاريخية والعاطفية. ولكنني أيضاً تركت مجالًا واسعًا للبديهة.

(من مُقابلة مع باريس ريڤيو).

– اقتصد في استخدام التلميحات الأدبية.
لا أُحبذ فِكرة الكتابة بتلميحات وإشارات أدبيةٍ كثيرة ولا أحب أن أكون في موضع قول “تحتاج إلى قراءة أعمالٍ أدبية أُخرى” أو “أنت في حاجة إلى أن تكون قد نلت قدرًا جيدًا من المعرفة الأدبية لِتقدر عملي بِشكلٍ وافٍ”. بِعكسِ كثيرٍ من الكُتاب لا يُعجبني استخدام الكثير من التلميحات الأدبية ولا يروق لي كَقارئ أن يزعجني هذا الأسلوب ويخرجني من حالتي الذهنية التي تمكنتُ من الوصول إليها بانغماسي في القراءة. عادةً ما أغمر ذاتي بالشعور والأفكار ولكن عندما أمر بتلميحٍ أدبي أجدني أُقارن هذا النص بِنصٍ آخر لا إراديًّا، وأشعرُ وكأنني جُذبتُ إلى خارج ذلك العالم الخاص بي. أعتقدُ أنني أفضل أن أستخدم عقلي بِطُرقٍ مُختلفة في مواضع أُخرى. حقًّا لا تُعجبني هذه الطريقة بأي شَكلٍ من الأشكال.

(من مقابلة مع مجلة الجيورينكا).

– انتبه لِما تبدأُ بِه.
كُل شيءٍ يُبنى ويعتمد على الجُزء الأول من العمل. من المُهم جِدًّا أن تولي اهتمامك للخطوات التي ستتبعها في خُطة عملك الأدبي، كما يكون الأمر حينما تعاين شَخصًا قد تقدم للزواج منك. وهذا الأمر يختلفُ من شخصٍ لآخر، هل من المُفترض أن يعتمد على خبرتك؟ أم أنك تكتبُ بطريقةٍ أفضل في أبعادٍ أخرى أعظم من المُتاحة؟ هل تتميز في كتابة نوعٍ أدبي مُعين؟ لا تتردد في أخذ الأمر على محملٍ جاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top