عاشَ النّاس في كنفهِ سنين لا يُعرف عددها، يلتمسوا من بركتهِ، ويستجدوا عونه و مدده، هناك يرقد الشيخ حسين في ضريحه الطاهر ، تحتضنه الحقول الشاسعة الممتدة ، في فضاءاتها السندسية ، تتماوجُ في ابتسامٍ ، بين ماء بحر يوسف وترعة سري، تشيعه عيون الفقراء عن بعدٍ بنظراتِ الاكبار والتوقير، و مع مطلعِ كُلّ شمسٍ تتقاطر عليهِ السّابلة من كُلّ مكانٍ ، يدور النّسوة من حولِ لبناتِ جداره المائل المهترئ ، ترمقه العيون ومن قبلها أفئدة المريدين ،من أصحابِ الحاجات في تضرعٍ ولهفة، وفي نفوسهم تثور كوامن الأشجان ، هناك في رحابِ الولي ، تمتزجُ الأماني بالمخاوفِ ، وتنحدر الدعوات غضَة ندية ، من أفواهٍ يبّستها مرارة الانتظار، وسياط العوز ، فهذا مريض ، وذاكَ قعيد ، وتلك عانسٌ ، وهذه تمسك برسنِ في يدها وعينيها تسحّ الدمعَ ، فبقرتها تجحد وليدها البِكر ، لابدّ أن عينا حمئة ، تربّصت بها ساعة المغربيةِ على مدخلِ القرية ، فاصابتها في مقتلٍ.
وبجوارِ المقامِ تربّع ” أبو خطوة” مُفترشا الأرض ، بابتسامته الرخيصة الفاترة ، التي لاتُفارِق سحنته الشّاحبة منذ عرفه النّاس ، ينكس الأرضَ بجريدةٍ يابسةٍ ، تتعالى صيحاته : مدد يا سبع الرجال.
تغمز يد بين الفينةِ والفينة أنامل رقيقة ، تدسّ في كفهِ النّفخة ، ساعتئذٍ يهدرُ كالجملِ الجامح ، وفمه الواسع يفيض برغوتهِ ، يصحو على حينِ غرةٍ ، يُشيّع المنصرفات بنظراتٍ خبيثةٍ تتحسس أجسادهن ، و تأكل عجائزهن الغلاظ ، ليغيب ثانية في صيحاتهِ الطوال : مدد مدد على طول المدد .