الطيور العمياء

للعراقية ليلى قصراني.

بقلم يقطر حزنا” وأسى، تسطّر قصراني صفحات جديدة من مأساة الشعب الأرمني وصبره أمام أبشع جريمة إنسانية حصلت في مطلع القرن العشرين،
وفيما يبدو أن مرتكبيها ما يزالون مستمرّين فيها حيث يتجلّى حقدهم الأعمى في ما نراه الآن من حرب دائرة ضدهم في اقليم كارباخ الأرمني متمثّلاً في أداتهم الجديدة أذربيجان.
تهدي الكاتبة روايتها كما يلي :
إلى الّذين ماتوا دون أن تكون لهم فرصة أن يبوحوا بمآسيهم.
إلى روح جدي خوشابا الّذي لم يترك شيئاً في هذه الدنيا غير ابنه يتيماً ،
في أعالي جبال حكاري.
كما توجه شكرها للدكتورة نورا أريسيان ، عضو مجلس الشعب السوري، على جهودها في تدقيق ومراجعة الرواية تاريخيّاً.
في قرية وادعة تدعى طورباراز تبعد عن دياربكر مسافة نصف يوم سفر ، تبني قصراني عالماً أرمنيّاً أخّاذاً بتفاصيله فتهدم به عالم القتلة. بطلة الرواية هي كوهار ابنة بائع قمح يدعى ديكران ، لها شقيقان هما كريكور( الأصغر ) وهوسيب ( الأكبر) ، تعيش قصة حب عذري مع صانع السروج بوغوص.
يُتّهم المطران صلبشيان بمنع شباب الأرمن من الالتحاق بالجيش العثماني في حربه ضد روسيا، وتأديباً لسكان القرية يقوم الضابط التركي المجرم سلمان بقتل أربعين طفلاً دون السابعة وذلك داخل كنيسة القرية ( تنقذ كوهار شقيقها كريكور عن طريق إلباسه ثوب فتاة وخداع الجنود الباحثين عن الأولاد ).
هذه المجزرة الوحشية لن تكون إلا بداية لرحلة عذاب طويلة يُسام فيها الأرمن شتى صنوف العذاب على طريق يشبه الطريق إلى الجلجلة، تمتد من دياربكر إلى صحراء دير الزور وحلب والموصل. أدوات تنفيذ تلك الإبادة الوحشية هم الأكراد الّذين لا يلبثون أن يتحولوا هم أيضاً إلى هدف للتصفية لمحو كل آثار الجريمة الفظيعة . هذا لا ينفي وجود شخصيات كردية رافضة لما يحصل كشخصية ممتاز آغا رئيس عشيرة الأكراد الّذي يدافع عن هؤلاء المساكين. تبرع قصراني في تصوير مشاهد النفي القسري بكثير من الألم حيث تبلغ القسوة الإنسانية حدوداً لا يمكن لمخيلة أعتى المجرمين أن تتخطاها. مقابل كل ذلك الجبروت والظلم يتبدّى صبر الشعب الأرمني وإيمانه بالله من خلال مواصلة الصلوات في البراري وغناء الأغنيات الحزينة وظهور روح الإيثار لدى الكثيرين ( هاسميك التي تفتدي الفتيات من خلال ذهابها طوعاً إلى الجنود الأكراد ليغتصبوها وتنقذ العذراوات اللواتي يسقن إلى التهلكة من خلال تلويث وجوههن بالسخام كي لا يرى الجنود جمالهن). كذلك تظهر الإنسانية في أبرز تجلياتها من خلال شخصية الشيخ غازي وزوجته أمينة اللّذين يحتويان شقيقا كوهار ( هوسيب وكريكور ) ويربيانهما مع ابنائهما ، مصرّين على احتفاظ الأخوين بديانتهما . تتشعب خطوط الرواية ويموت والد كوهار بأبشع طريقة حيث يقوم بابتلاع الليرات الذهبية بإصرار من زوجته حفاظاً عليها من أجل الأبناء ، لكن العساكر الأوباش يعلمون بذلك فيقومون ببقر بطون الرجال ويجبرون أهالي الرجال على البحث في أحشائهم لإخراج تلك الليرات . كذلك تموت الأم أناهيد بعد افتراقها عن كوهار ، ليصل الشقيقان إلى قبيلة الشيخ غازي. أما بوغوص فينجح في الهروب من قافلة التهجير ليصل إلى الموصل ،يسمّي نفسه فاضل ويعمل سرّاجاً لدى رجل مسلم يزوّجه من ابنته عطية التي تدخل دين زوجها . أما كوهار فتقع بين يدي أركان المجند الكردي الّذي يغتصبها ويتزوجها فتنجب منه ابنتها مريم. ما مصير الأخوة ؟ وهل سيلتقون ؟ من هو آرا أفاكيان؟ هل سترضخ كوهار لقدرها أم ستنفذ ما سمعته من امرأة عجوز أثناء الترحيل حيث قالت لها : آه يا بنتي ، التعاسة تأتي مسرعة راكبة على ظهر حصان، أمّا السعادة فتجيء ماشية على قدميها بتمهّل… هكذا هي أيّام الغبطة قليلة ومعدودة، إن ما فعله بنا الأتراك لا يمكن أن ننساه. هذا الكلام ستسمعينه مرّة واحدة فقط منّي، يا بنتي ، ولن أكرّره، لأنّي اعرف بأنّك حفظته. عنوان الرواية مستوحى من أغنية أرمنية ، تجدون مقتطفاً منها في إحدى الصور المرفقة.
رواية رائعة عن الطبيعة البشرية وهشاشة الإنسانيّة، عن القسوة والرّعب، وفي الوقت ذاته عن التسامح والمحبّة التي يغدقها البشر على الغرباء.
ليلى قصراني روائية عراقية من مواليد عام 1967 لأب وأم آشوريين، نشأت في بغداد ودرست الأدب الفرنسي في الجامعة المستنصريّة، تعيش حاليّاً في شيكاغو.
روايتها هذه هي الثانية ، صدرت عام 2016 ، بعد روايتها الأولى ” سهدوثا” الصادرة عام 2011 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top