حديثنا اليوم عن احدى الحارات القديمة والتي هي بقدم تاريخ مدينة القدس ونقصد هنا الحديث عن حارة السريان، والتي اهم ما يميز هذه الحارة دير القديس مرقص السرياني في القدس
يقع في القسم الجنوبي من حارة تاريخية من حارات القدس، كانت تعرف بـ”حارة التبانة”، التي ينتشر السريان اليوم فيها للوصول الى كنيسة مار مرقص يتوجه الى شارع النبي داود الذي يتقاطع مع طريق حارة النصارى، ويتم الانعطاف جنوبا عند طريق سوق الحصر والسير في الطريق حتى مفرق طريق كنيسة مار مرقص التي توجد الى الجنوب من سوق البازار والى الشرق من حارة الأرمن، قرب نهاية الاسواق الثلاثة من الجنوب ويقع دير مار مرقص في حارة الشرف (ويسمونها حارة الجواعنه) بين حارتي الأرمن واليهود .وهو أول كنيسة في المسيحية
وأصل هذا الدير كنيسة بيزنطية، عرفت بـ”كنيسة العذراء” التي لا تزال قائمة. كما يشمل على دار لأسقفية السريان. وقد خربت الكنيسة البيزنطية منذ أيام الخلفية الفاطمي (الحاكم بأمر الله الفاطمي) أواخر القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)؛ وبقي مهجوراً حتى أعيد ترميمه في سنة (1272 هـ/ 1855 م)، ثم وسع في عام (1298 هـ/ 1880 م). وترد إشارات إليه وإلى بعض الرهبان السريان وشؤونهم الأخرى في بعض حجج محكمة القدس الشرعية
أصل السريان
السريان هم أقدم الطوائف المسيحية في الأراضي المقدسة، فلقد كانوا يسمون بالآراميين، نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية، ومصطلح السريان أطلقه المؤرخون اليونانيون على الآراميين، بعد أن تركوا عبادة الأوثان، واعتنقوا الديانة المسيحية في القرن الأول والثاني للميلاد
انطلق الآراميون من الصحراء السورية حوالي 2300 ق.م إلى أعالي مابين النهرين، استقروا في البداية في حران، وأسسوا عدة ممالك مستقلة غير موحدة بين القرنيين 11-10 ق .م، وقد دخلت تلك الممالك في صراع مرير مع الأشوريين وغيرهم من الشعوب المجاورة كالحيثيين في شمال وداخل سوريا والكنعانيين على الساحل السوري،
انتشر الآراميون بشكل أساسي في دول بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين والأردن) والعراق والهند، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى، وبحسب المصادر المسيحية فإن السريان هم أول شعب وثني اعتنق المسيحية منذ السنوات الأولى لظهورها
وتقول بعض المصادر المسيحية بأن السريان تخلوا عن اسمهم القديم “الآراميين”، لأنه كان يذكّرهم بوثنيتهم، وصارت اللغة الآرامية تعرف بـ “اللغة السريانية”، وما زال بعض سكان قرى سوريا وشمال العراق يتحدثون هذه اللغة إلى اليوم
ويطلق البعض على السريان أسم “اليعاقبة” نسبة إلى يعقوب البرادعي، أحد أنشط دعاة النصرانية في أواسط القرن السادس الميلادي. ولكن، على الرغم من تعظيم السريان ليعقوب البرادعي واعتباره قدّيساً، والاعتراف بجهده في تثبيت دعائم عقيدتهم، إلا أنهم يرفضون تسميتهم باليعاقبة، لأنهم يعتبرون عقيدتهم أقدم من يعقوب، وأن انتسابهم إليه إنكار لعلاقتهم بمن سبقوه من الآباء والقديسين
عرفت كنيسة السريان باسم “الكنيسة السريانية الأرثوذكسية”، إلى أن اعتنق مجموعة من السريان الأرثوذكس المذهب الكاثوليكي بفعل التبشير، وصاروا يتبعون بابا روما، ومن هنا نشأت كنيسة جديدة، هي “كنيسة السريان الكاثوليك” أو “بطريركية أنطاكيا للسريان الكاثوليك
اللغة السُريانية لغة سامية مشتقة من اللغة الآرامية ويعتبرها بعض الباحثين تطورًا طبيعيًا لها موحدين بين اللغتين، نشأت اللغة الآرامية، وهي أصل اللغة السريانية، في الألف الأول قبل الميلاد لتكون العائلة الثالثة ضمن عائلة اللغات السامية، وأصبحت من القرن السادس قبل الميلاد لغة التخاطب الوحيدة في الهلال الخصيب إلى ما بعد الميلاد، حيث تحورت تدريجيًا واكتسبت اسمها الجديد ”اللغة السريانية“ في القرن الرابع تزامنًا مع انتشار المسيحية في بلاد الشام
تعتبر السريانية اللغة الأم لطوائف الآشوريون/السريان/الكلدان المنتشرة بالعراق وسوريا خاصة، حيث أضحت من أهم العوامل التي تجمعهم. وبالرغم من هذا فالسريانية لم تقتصر عليهم فقد استخدمها العديد من رجال الدين المسيحيين في كتاباتهم كالعرب (إسحاق النينوي وإيليا الحيري) والفرس (أفراهاط الملقب بالحكيم الفارسي) والأرمن (ميسروب ماشدوتس وإسحاق الأرمني) والترك (يشوعداد المروزي)،
وتكتسب اللغة السريانية أهمية دينية خاصة في المسيحية، أولا لأن المسيح عليه السلام قد تكلّم بالآرامية، التي تعتبر بمثابة اللغة الأم للسريانية ، وكذلك تبدو اللغة السريانية هامة للمنقبين والمؤرخين في الاطلاع على الوثائق والمخطوطات القديمة التي غالبًا ما كتبت بالسريانية أو الآرامية.
في الإسلام يشير بعض الفقهاء أن السريانية هي لغة أهل القبور أمثال حافظ السيوطي وعلم الدين البلقيني الذي فسّر سبب ذلك بكون السريانية لغة الأرواح والملائكة، البعض الآخر منهم أمثال العثيمين نفى الرواية، في حين يشير ابن حاتم وابن شيبه أن السريانية هي لغة يوم القيامة على أن يتكلم داخلوا الجنة لاحقًا العربية، غير أن بعض الفقهاء كابن حنبل رؤوا أن السريانية كانت لغة النبي آدم والنبي نوح
اعتبرت اللغة السريانية ردحًا طويلاً من الزمن لغة العلوم والفنون والآداب، خصوصًا في مدينة الرها (أورفة حاليًا في تركيا) والتي نشأت بها بنوع خاص، أولى المدارس السريانية، وعمومًا فإن اللغة السريانية تقسم عمومًا إلى لهجتين وأبجديتين متقاربتين، الأولى السريانية الغربية نسبة إلى غرب نهر الفرات والثانية هي السريانية الشرقية نسبة إلى شرق نهر الفرات وبنوع خاص إلى الرها. تكتب اللغة السريانية بالأبجدية السريانية المؤلفة من اثنين وعشرين حرفًا تجمع في خمس كلمات: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت. وتحوي حركات إعرابية تختلف بين السريانية الغربية والسريانية الشرقية أشهرها خمسة تفيد في المد والقصر وحروف العلة كسائر اللغات السامية فإن اللغة السريانية تكتب من اليمين إلى اليسار ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
أما في فلسطين فيعتبر السريان ثالث طائفة من حيث العدد بعد الروم واللاتين حيث يمثلون 10% من مسيحيي الديار المقدسة، فهناك 300 عائلة في القدس و 500 عائلة في بيت لحم، ويربو عددهم جميعا عن 4000 نسمة، حسب إحصاء رسمي مسيحي لانتماء العرقي
لا يمكن للسريان الذين يعيشون في فلسطين أن يُنكروا العرق السرياني، فهو دمهم وتراثهم وثقافتهم. وعلاوة على ذلك، فهم لا ينكرون أنهم فلسطينيون. فقد عاشوا حياتهم كلها في فلسطين. هم يحبون ذلك، وهم ينتمون لها، لأنهم ولدوا وترعرعوا فيها ، وهم لا يفصلون جنسيتهم الفلسطينية عن السريانية، أو العكس. وكلاهما يعمل جنبا إلى جنب كخط متوازي لا يُعبر أو ينفصل
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية هي كنيسة أنطاكية أرثوذوكسية مشرقية، تتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم، وهي كنيسة مستقلة، مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي
أصل هذه الكنيسة يعود الى القرن الخامس، لكن تم ترميم وإعادة بناء الكنيسة عبر عدة عصور، لعل ابرزها كان في عهد الفرنجة. وتعتبر هذه الكنيسة من اقدم كنائس القدس، وقد اسست من قبل طائفة السريان الذين يعتبرون انفسهم من أوائل طوائف القدس المسيحية. وحسب التقاليد السريانية، فان موقع هذه الكنيسة كان بيت القديس مرقص، وكان مكان العشاء الاخير للسيد المسيح مع الحواريين. واثناء ترميمات الكنيسة في عام 1940 كشف عن لوحة كتابية، نقش عليها بالخط الارامي كتابة تأسيسة، يفهم من نصها ان الموقع قد حول الى كنيسة على اسم السيدة مريم العذراء بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، وأعيد بناء الكنيسة في عام 73م. بعد تدمير القدس على يد تيطس
وفي الزاوية الشمالية الغربية. توجد فتحة تقود الى قبو ارضي، يعتقد طائفة السريان انه مكان العشاء الأخير بدلا من علية صهيون حيث مقام النبي دواد
وللسريان مجلة “الحكمة” والتي تهتم وتسعى لإحياء التراث السرياني ونشرها المقالات الدينية والدراسات والأبحاث عن السريان وصدر العدد الأول لهذه المجلة عام 1914م في دير الزعفران في تركيا وتوقفت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم أعيد إصدارها في مدينة القدس عام 1926 في دير مار مرقس لمدة أربع سنوات، ثم توقفت مع بداية انتفاضة البراق، وأعاد الكاتب والصحافي الفلسطيني-السرياني المرحوم جاك خزمو إصدارها عام 1990م.