حكايتنا اليوم هي حكاية عتيقة عتق رائحة المسك ،
حكاية يعيشها كل عربي وفلسطيني ومسلم كلما مشى فيها ذهابا وايايبا بطريقه الى المسجد الأقصى ، فحكايتنا اليوم هي حكاية حارة عريقة اصيلة ،
هي مثال للحكاية المقدسية وهي أيضا مثالا بارزا للتحولات التي شهدتها المدينة على مر الزمن وخاصة منذ ان حط بها الانتداب البريطاني الذي قسم المدينة لحارات لا تمت للواقع بصلة ولكنها تمت لقوى الاستعمار والاحتلال بصلات عميقة بهدف تقسيم الحارات .
انها حكاية حارة السعدية .
حارة السعدية هي إحدى حارات البلدة القديمة لمدينة القدس في الحي الإسلامي ، وهي من الحارات المتميزة بوجود عدد كبير من مقامات الأولياء والشهداء المُسلمين ، وتقع داخل أسوارها بين بابي الساهرة والعامود، وبالقرب من المسجد الأقصى المبارك، يحدها من الشمال سور القدس الذي أنشأه السلطان العثماني سليمان القانوني ومن الشرق عقبتا الشيخ شداد والبسطامي ضمن منطقة باب حَطَّة، ومن الجنوب النَّزُل النمساوي، ومن الغرب سويقة باب العامود وتبلغ مساحة حارة السعدية خمسون دونماً وقد بلغت مساحتها بين المد والجزر حسب الفترة الزمنية وخاصة في الفترة العثمانية حيث شملت عدة محلات مثل محلة بني زيد و وبني سعد وحارة السعدية حلقة وصل ومسالك لعدة حارات داخل البلدة القديمة لمدينة القدس.
ان “حارة السعدية ” كانت تسمى ايضا بحارة الأكراد نسبة للأكرد الذين قدموا مع صلاح الدين اللأيوبي والذين اقاموا فيها ، وتسمى ايضا حارة المشارقة نسبة للمسيحين الذين سكنوها خلال الإحتلال الصليبي
وقد أفادنا مؤرخ مدينة القدس الدكتور محمد غوشة في كتابه “حارة السعدية” أن ارتفاع حارة السعدية عن غيرها من الحارات في القدس القديمة ذكر أن المحلة الواقعة على نجوة بالقرب من باب العامود ( والنجوة هنا سقف المغارة المعروفة باسم مغارة الكتان الكائنة أسفل مدينة القدس بين بابي الساهرة والعامود ) وتصل هذه المغارة إلى مسافات عميقة أسفل حارة السعدية
سميت بهذا الاسم نسبة إلى سكانها وهم من بني سعد أو السعديين إحدى القبائل التي جاءت مع الفاتح صلاح الدين الأيوبي لاستعادة القدس من أيدي الفرنجة الصليبيين، وهي من الحارات التي ماتزال تحافظ على تراثها المعماري الإسلامي
نسبة إلى الشيخ سعد الدين الجباوي مؤسس الطريقة الصوفية ( الطريقة السعدية)
وذكر أيضاً الدكتور محمد غوشة أن من سكان حارة السعدية شيوخ الطرق المختلفة مثل شيخ الأزبكية (النقشبندية) وشيخ زاوية الهنود وشيخ المولوية وشيخ الخلوتية وشيخ السعدية وشيخ القادرية وشيخ البسطامية ومشايخ المذاهب الأربعة . وأضاف قائلا أن حارة السعدية شكلتْ في الزمان الماضي غير البعيد إحدى أرقى الحارات السكنية الهادئة في مدينة القدس لأسباب جغرافية وطبوغرافية .
وقديماً كانت حارة السعدية تسمى أيضاً بحارة الأكراد نسبة للأكراد الذين قدموا مع القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي وأقاموا فيها، وتسمى كذلك حارة المشارقة نسبة للمسيحيين الذين سكنوها أيام الصليبيين، ومن منافذ هذه الحارة الرئيسية باب الساهرة شمال المدينة، حيث الطريق إلى المسجد الأقصى المبارك ومعظم السكان في هذا الحارة من المسلمينولعل أهم ما يميز هذه الحارة كثرة الكنوز الرائعة من الآثار الإسلامية، ومنها مسجد المئذنة الحمراء وهو من أهم العمارات التي بنيت في العهد العثماني
ويتألف المسجد من مبنى ومصلى يقع في الناحية الجنوبية الغربية من المبنى، ومئذنة طويلة تمتاز بتصميم معماري متأثر بالعمارة المملوكية و من المآذن الدائرية التي ترتكز على قاعدة مربعة فوق الأرض على عكس المآذن المحمولة على أبنية
أنشأ هذا المسجد شيخ الشيوخ علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الخلوتي قبيل عام 940هـ ـ 1533م ، وأُطلق عليه في النصف الأول من القرن السادس عشر اسم ” مسجد الشيخ علي الخلوتي ” ، نسبة إلى منشئه، ثم أطلق عليه أهل القدس اسم ” مسجد المئذنة الحمراء ” نسبة إلى شريط أحمر كان يحيط شرفة مئذنته من أعلى
ومن المعالم الأثرية في الحارة أيضاً دَير راهبات صهيون الذي يضم ديراً كبيراً حديثاً، وكنيسة ومتحفاً صغيراً وبِركة، والزاوية الهندية التي سميت بهذا الاسم نسبة للعالم الصوفي الهندي بابا فريد شكركنج الذي قدِم لمدينة القدس قبل نحو 800 عام، وسُجِّلت الزاوية كوقف هندي إسلامي خيري. وقد تسلَّمت عائلة الأنصاري ذات الأصول الهندية مسؤولية رعاية الزاوية قبل تسعة عقود
وكذلك يوجد فيها المدرسة الصلاحية التي قام بإنشائها صلاح الدين كمجمع علمي تخرج منه الكثير من العلماء في القدس ، ومنها الزاوية المولوية والتي يقيم فيها المؤيدون لهذه الطريقة حيث دخلت هذه الطريقة بيت المقدس في أوائل الحكم العثماني (925هـ
مسجد الحنابلة أو مسجد الشيخ ريحان مسجد أثري يعود تاريخه إلى العصر العثماني في فلسطين. يقع داخل أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس، في عقبة المولى (عقبة الراهبات) وشرقا زاوية الشيخ علي الخلوتي ويقطنها عائلة علوي وغربا عقبة الشيخ ريحان نسبة للموقع وشمالا دار طوقان بك وتحديدا بُني المسجد أيام السلطان العثماني احمد الاول عام 1611، وليس للمسجد مئذنة
مسجد وتربة شيخ الشيوخ علي الخلوتي انشاء قبل عام (940هـ/ 1533م) وإعادة إنشاء سنة (1040هـ/ 1630م)
ودفن الشيخ علي الخلوتي في هذا المكان في العام(940هـ/ 1533م يُعرف هذ ا الأثر اليوم با سم الشيخ ريحان , وهو من المساجد التي افتتحت سنة (1979) بعد أن كان مدفناً ومسجداً يُعرف بمدفن الشيخ ريحان , وهو عبارة عن مُصلى صغير يُدخل إليه من باب غربي أسفل بائكة من العمارة العثمانية المتأخرة في مدنية القدس
نقش المدخل : تحيط قوس مقُلدة لفن زخرفة العمارة الآيوبية باب المسجد وفي مركز القوس نقشُ عليه كتابةُ قرأنية جاء فيها: ” قد أفلح المؤمنون الذ ين هم في صلاتهم خاشعون والذ ين هم عن اللغو معرضون والذ ين هم للزكاة فاعلون ، والذ ين هم لفروجهم حافظون”
مسجد الشيخ لولو
يقع في سويقة باب العمود؛ وتحديداً على يسار الداخل من هذا الباب، وفي أول الطريق المتجهة إلى حارة السعدية؛ وذلك ضمن مجمع عرف تاريخيا بالزاوية اللؤلؤية المنسوبة إلى واقفها بدر الدين لؤلؤ غازي، عتيق الملك الأشرف شعبان بن حسين (778- 764هـ/1376-1362م)، الذي وقف المدرسة اللؤلؤية بحي الواد في سنة (775هـ/1373م)، كما يفيد نص الوقفية المنقوش على حجر مثبت على مدخل المسجد ودفتر تحرير الطابو رقم 522. وقد ذكره الرحالة المشهور، عبد الغني النابلسي في زيارته في عام (1101هـ/1689م) وحدد موقعه ، يقوم هذا المسجد في موضعه في وسط ينشط بحركة زوار مدينة القدس والسوق التي تشمله. ويبدو أن تاريخ إنشائه يسبق تاريخ الوقف
مسجد ومقام الشيخ شكي مكي
يقع في باب الساهرة، وتحديدًا على يمين الداخل إلى داخل مدينة القدس القديمة من الباب المذكور تجاه المسجد الأقصى، حيث يقابل مدرسة القادسية. يغلب القدم والحداثة عليه؛ فأصل بنائه ضريح مقام الولي الشيخ مكي. ولأن الضريح أو المقام بات مهجوراً؛ تطوع بعض المجاورين له في سنة 1982 بتشكيل لجنة عرفت بـ”لجنة مسجد الشيخ مكي”، وتهدف إلى تعمير المسجد للصلاة لخلو المنطقة من المساجد. وبعد صدور موافقة دائرة الأوقاف في القدس على تشكيل هذه اللجنة وإنجاز المخططات والتقديرات اللازمة، بوشر بتعمير وترميم المكان وافتتح مسجداً في نفس السنة بمساحة تبلغ 24م². وفي العام التالي أدخل التيار الكهربائي إليه وافتتحت فيه مكتبة صغيرة. كما أعيد ترميمه وتكحيل جدرانه الخارجية سنة 1984م
وكانت حارة السعدية مثالا للتعايش ج الهادئ السلمي بين جميع الفئات ، وهذا كان واضحا في مذكرات واصف الجوهري الصادرة عن الدراسات الفلسطينية ، بعنوان ” جندي على العود … الجوهرية في القدس العثمانية ” وجاء تلك المذكرات : ” تروي تلك المذكرات جانباً مهماً من تاريخ القدس العثمانيّة، المدينة التي كان لا يزال يتنفسُ معظمُ مَن فيها مِن داخل سورِها، وأحيائها التي بقيت في حينه مِحلات يُحيل اسمُ كلِّ مِحلةٍ منها إلى نسب آهليها أو حرفييها، وذلك بعيداً عن مذاهب أهلها، والتي سيوقِظُها الإنجليز فيهم لاحقاً، لتغدو الحارةُ على دين أهلها مع عشرينيات القرن الماضي في دار الجوهرية وُلِدَ واصف في كانون الثاني سنة 1897 لعائلةٍ من العرب الأرثوذكس، وتحديداً في حارة السعدية، الحيّ الذي يجثو على ربوةٍ تُطلّ على كامل مدينة القدس، في جوار مقام الشيخ ريحان. فالقادم من باب العامود إذا ما صعد مارّاً عن قنطرة المملوك سيصل السعدية، أما القادم من مِحلة الواد فعليه صعود عقبة الأصيلة ليصل إليها، فيما القادم من الروضة إلى السعدية عليه المرور بعقبة مدرسة راهبات صهيون للفرنسيين .
ويضيف الجوهرية في مذكراته ” حارة السعدية حاضنةٍ شعبيّةٍ متكافلة، يشبك أبناؤها قبضاتهم مسلمين ومسيحيين في ليلة الحرومية “الكرنفال” من ليالي أول صيام العيد الكبير، لتهزّ شوباشاتهم الغنائيّة جدرانَ وأرض مِحلة الواد المرصوفة ببلاط الريم.1 وهو البلاط الذي رُصِفت به مساربُ وشوارع المدينة في عهد الحاج سليم أفندي الحسيني رئيس البلدية في ذلك الحين، والذي بقي المقدسيون يحلفون برأسه طوال عقود تـلت
كانت مِحلة السعدية معرّة الغناء والإنشاد بالنسبة لواصف. ويذكر منذ طفولتِه في رمضان، كيف كانت فرقة الحوّاية من مدّاحي الحيّ تجوبُ، بعد ضرب مدفع الإفطار، الحارات إنشاداً ووقوفاً على أبواب البيوت طلباً للمعلوم من أصحابها غناءً. وما أن يُنهي مصلّو الحرم صلاة التراويح، حتى ينبعث الغناءُ والتواشيح، وتفجُّ أصواتُ دراويش مقام الشيخ ريحان بالذكر والمدائح النبويّة. كان أحبها إلى قلب واصف مديح: “يا راحلين إلى منى بقيادي – هيّجتُمُ يوم الفراق فؤادي”، فضلاً عن الابتهالات الدينيّة المنبعثة من حضرةٍ هنا أو زاوية هناك، يضبطها كلُّها إيقاعُ قرّاء قرآن مصاطب الحرم
لوالد واصف، جريس جوهرية، أُذنٌ موسيقيّةٌ تأثرت بموسيقى أذان المآذن، ويذكر واصف كيف كان أبوه يوقِظُهُ فجراً لسماع الصوت الملائكيّ المُنبعِثِ من حنجرة الشيخ محمد السلواني، وتنغيمهِ الأذان من على المئذنة الحمراء المُطلّة على مِحلة السعديّة. وفيما يتعلق بذلك، يروي واصف عن أبيه حادثةً طريفةً، إذ احتجّ أبوه ذات يوم على استبدال الشيخ السلواني بمؤذنٍ آخر، وكان صوتُ المؤذن الجديد من أنكر الأصوات، فعكّر ذلك صفو والده، فقام بتنظيم مضبطة احتجاجٍ على المؤذن مُوقّعة من وجوه الحارة. ولما توّجه بها إلى دائرة الأوقاف الإسلاميّة مطالباً بإعادة الشيخ السلواني، دُهش موظفو الأوقاف وقتئذ من كونه مسيحيّاً. ولما سُئِلَ عن منطق احتجاجه، أجاب جريس مُنشِداً الأبيات التالية:
سمعتُ مؤذناً يؤذي بصوته لسامعـه وقـد أذن الأذانــا
فقـلتُ وقد أُذت منهُ أذنـي آذانٌ تقصد أنت أم أَذَانَــا…
“لولا أنّ المؤذن الجديد يتيم الأبوين، لصرفتُهُ من المدينة كلّها”،
ردّ مديرُ الأوقاف وقد أدهشته أبياتُ أبي واصف أُعيدَ الشيخُ السلواني إلى المئذنة الحمراء،
أما الآخر فقد نُقل إلى مئذنة مِحلة سعد وسعيد في الشيخ جرّاح.