يعد الدكتور حمدي موصلّي فارساً من فرسان الكلمة التي وضع لها نقاط القوّة، وجابه من خلالها كبار مجايليه من روّاد المسرح الذي عشقه منذ نعومة أظفاره، وتمكّن بحسّه العالي من أن يعتلي سلم الصعود ويصل إلى النجاح وحصاد الجوائز .
حمدي موصلي اسم معروف في الوسط الثقافي السوري والمسرحي بصورة خاصة، وبرز من بين نجوم سوريين كثر، وفي غيرها من البلاد العربية، وصنع للمسرح مكانته وعنوانه العريض، وأن يقف على رجليه ويستمر برغم العواصف العاتية!.
الدكتور موصلّي أشرف على كثير من الدورات في مجال السيناريو ومسرح الطفل، وقام بتأليف وإخراج الكثير من الأعمال المسرحية، وكوفئ من قبل التنظيم الإرهابي “داعش” الذي احتل مدينة الرقّة ما قبل عام 2017 بحرق مكتبته التي تتضمن أكثر من ستة آلاف كتاب فضلاً عن بيته!.
الدكتورحمدي موصلّي، مهندس زراعي خريج جامعة حلب دورة عام 1981 ـ 1982، دبلوم معهد عال للفنون المسرحية نظام ثلاث سنوات “كيشنوف” ميلدوفا، دكتوراه أكاديمة العلوم ـ معهد الدراسات الشرقية ـ سان بطرس برغ، وعضو اتحاد الكتاب العرب، ومقرر جمعية المسرح في الاتحاد منذ عام 1995، كما شغل رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالرقّة بين 2005 ـ 2010، وعضو مجلس اتحاد الكتاب لدورتين متتاليتين بين أعوام 2010 ـ 2021، وسبق أن حصد العديد من الجوائز، وشارك في مهرجانات المسرح المتعددة، كما شغل عضو هيئة تحرير صحيفة جيل الثورة السورية، ومستشار هيئة تحرير صحيفة الأسبوع الأدبي، وعضو هيئة تحرير مجلة الموقف الأدبي، أضف إلى تكريمه من قبل وزارة الثقافة السورية والجامعة العربية عام 1993 بمناسبة فوزه بجائزة الإبداع العربي “الجامعة العربية” المخصصة للمسرح، وبمناسبة مئوية محمد تيمور في مجال المسرح، وتكريمه من قبل وزارة الثقافة، مديرة المسارح والموسيقى في عام 2008 بمناسبة تسمية دمشق عاصمة للثقافة العربية، أضف إلى أنّه أصدر العديد من الكتب والبحوث والدراسات في النقد المسرحي، وأغلبها تم نشره في الدوريات والمجلات العربية، كما أخرج الكثير من الأعمال المسرحية التي تلامس هموم المواطن العربي.
في الواقع تعتبر تجربة الكاتب والباحث والمخرج المسرحي الدكتور حمدي موصلّي على مستوى الحياة والفن، تجربة غنية بمحطاتها المتنوّعة، واستطاع من خلالها أن يُؤسس لحضور إبداعي سوري وعربي متفرّد صقله بالقراءة والمتابعة و تطوير الذات، و ما يؤكد ذلك، وكما ذكرنا، عبر سلسلة طويلة من الجوائز المحلية والعربية الدولية التي حصل عليها.
“رأي اليوم”، التقت الدكتور حمدي موصلّي، وأجرت معه الحوار التالي:
تفجير الساكن وتحويله إلى حياة
* كنت قد درست في كلية الزراعة (جامعة حلب)، وهذا لم يكفِ نهمك في متابعة دراستك والجري خلف هوايتك التي تعشقها بشغف منذ نعومة أظفارك، و أصريت على دراسة فن المسرح دراسة أكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية في “ميلدوفا” وتخصصت في فن الإخراج والإنتاج المسرحي وحصلت على معدل جيد جداً في مشروع التخرج – مسرحية بستان الكرز … هل هناك توافق برأيك بين الزراعة كهندسة ومهنة، وبين المسرح كفن قائم بذاته.
– كثيراً ما اعتدت أن اردد تعريفاً صغته عن المسرح، وردّده بعدي العديد من الدارسين، مع العلم أنّه لا يوجد للمسرح تعريفاً محدداً ومتفقاً عليه. علينا أن نعترف أولاً: أنَّ المسرحَ قبلَ أيِّ شيءٍ هو كشفٌ. كشفُ حياةِ فردٍ .. خصائص بيئةٍ .. علاقاتٍ تاريخيةٍ .. مصيٍر إنسانيٍّ، وهذا الكشفُ يحتاجُ إلى رؤيةٍ تتخطى الآنيَّ، المألوفَ، الراهنَ اليوميَّ، وترى كلَّ ذلك من منظورِ الصراعِ والتحوّلِ، وتخطي الثابتِ في علاقاتٍ تقومُ أساساً على تفجيرِ الساكنِ وتحويلهِ إلى حياة .
ـ كان البحث هاجسي. جربت الرسم وكتابة الشعر والقصة والمقالة ومع هذا البحث الدائب وغير المستقر كان هناك بحث آخر مواز لتجربتي مع المسرح كهاوٍ مع فرقة المركز الثقافي بالرقّة، وفرقة المسرح المدرسي، و من ثم مع المسرح الجامعي كممثل ومؤلف ومخرج، ورأيتني أنزل الستارة وأكتب فوق ما أكتب فكانت مسرحياتي الأولى بانوراما المشاكل، ومسرحية مشتركة تأليفاً (ماري القرن العشرين) مع المرحوم الصديق الشاعر تميم صائب، ومن إخراجي سبق أن عرضت في مدن: دمشق، دير الزور، الرقّة والطبقة .. ثم تتالت بعد ذلك مسرحياتي المعروفة، ومن هنا لا أنس تجربتي الأولى التي واجهت هجوماً كبيراً في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم على صعيد التأليف والإخراج المسرحي، وأخصّ مسرحية (الخريف يغزو الشمال)، وهي النموذج الذي يُمثل مسرح الطليعة. إلّا أنّي مضيت في الكتابة باستهواء شديد. فالحماس برأيي هو الذي يدفع الكاتب غير المجرب بصورة تدريجية إلى أن يتمكن من حرفته، وهذا الرأي ينطبق على أحسن من أخرج ومن كتب. نلت بعد ذلك عدّة جوائز منها سورية وعربية على مستوى النصّ والعرض زادت عن خمس عشرة جائزة، أمّا عن العلاقة أو التأثيرات المتبادلة بين المهنة (الهندسة الزراعية والإبداع الفني)، بالتأكيد هناك ثمّة علاقة قوية بينهما مثلهما مثل بقية العلاقات المكوّنة لهما في الأصل من علاقات تاريخية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو مصير إنساني.. إلخ.
الممارسة العملية لمهنتي منحني مساحة أفقية من التفكير الإضافي المكتسب ناتج عن التماس المباشر مع الجماعات المختلفة من الناس في علاقات تقوم أساساً على تفجير الساكن وتحويله إلى حياة. فالنشاط البشري وما يتضمّنه من زراعة، بشقيها النباتي والحيواني، والعلاقات الاجتماعية وما يكتنفها من عادات وتقاليد، وما تتضمنه بدورها من أشكال تعبيرية، وأفعال ممارسة (الفلكلور وما يشتمل عليه من أزياء وغناء ورقص وطعام وشراب وأفراح وأتراح ..إلخ)، تشارك فيه هذه الجماعات بالإضافة إلى العلاقات العامة الأخرى وغيرها، كل هذا ساعدني أو خدمني إلى حد بعيد حين اشتغلت على الكتابة الإبداعية، ولا بأس أن أذكر أن لطبيعة التربية الأسرية وماهي عليه .. الدور الهام. إذ كانت تعنى بالمسألة الإبداعية من فنون وغيرها فستضيف إلى فكرة إنجاز المبدع وتكمله .. وإلّا ما معنى أنَّ الكثير من نجوم الإبداع والفن في الوطن العربي هم من خريجي كلية الزراعة وغيرها من الكليات، مثل: الطب، الهندسة وغيرها. والأمثلة كثيرة جداً!؟.
جوائز على مستوى النصّ والعرض
*ماذا عن أوّل أعمالك المسرحية؟ وكيف قرأت هذا الفن الذي لا يمكن أن نتغاضى عنه، لا سيما أنّه يُلامس الحياة التي نعيش؟
ـ خطواتي الأولى بدأت من النشاط المدرسي في المرحلة الابتدائية في السنتين الأخيرتين منها، وضمن خطين متوازيين، الأول: كنت ضمن المنتخب المدرسي الابتدائي لكرة القدم، والثاني: ممثلاً في المسرح المدرسي. استمر الخطّان يسيران بشكلٍ متواز حتى المرحلة الجامعية، علماً كنتُ الرقم واحد، اللاعب المتميّز الذي تمّ ترشيحه للمنتخب الوطني والمدرسي، ونتيجة لإقصائي، والوساطة أُبعدت عن تمثيل المنتخب، لكني تابعت مسيرتي الفنية والإبداعية في المسرح بالرقّة أولاً مع فرقة مديرية الثقافة مطلع السبعينات، فلاقت أعمالي ـ كممثل ـ نجاحاً متميزاً من المسرحيات التي شاركت فيها، وكنتُ الشخصية الرئيسة فيها مثال: مسرحية “مجلس عدل” من تأليف توفيق الحكيم إخراج غالب سليمان، ومسرحية “مشكلة راتب” من تأليف مراد السباعي وإخراج عبد النافع علي الشيخ، ومسرحية “درس اللحظات” من إخراج عبد النافع علي الشيخ.
في الجامعة بدأت الكتابة المسرحية فأخرجت للمسرح الجامعي ومن ثم لمسرح الشبيبة، وانتقلت بعدها لمسرح الطفولة (مسرح منظمة الطلائع) .. حتى تأسيس فرقة “توتول” المسرحية بالرقّة والتي استمرت من عام 1992م حتى خروجنا من الرقّة عام 2013م بسبب الأحداث والاضطرابات ومن ثم الغزو الداعشي إلى أن دمّرت المدينة نهائياً بفعل قصف التحالف. في جعبتي عدداً كبيراً من المسرحيات التي كتبتها وأخرجت أغلبها. بالتأليف هناك أكثر من ثلاثين مسرحية مطبوعة ومنشورة، وما يقارب من 25 عملاً مسرحياً مخرجاً للكبار، وحوالي 12 عملاً مسرحياً للأطفال .. كما حصلت على جوائز كثيرة على مستوى النصّ والعرض في سوريا وفي غيرها، حتى أصبغ عليَّ البعض من الكتّاب والصحفيين لقب صائد الجوائز.
الاستجداء بنصوص أغلبها مترجمة
*ماذا عن الحراك المسرحي العربي عموماً والمسرح السوري بصورة خاصة من حيث العرض والنصّ. هل هناك من تفاوت في التجارب في ما بينهما؟
– المسرح السوري كما المسرح العربي مصابان بداء إدارة الظهر عن المحيط، وتنفيذ العرض المسرحي بالاستجداء بنصوص مسرحية هي على الغالب مترجمة، قد تتقاطع مع همومنا ولكنها لا تحمل خصائصها، وهو أيضاً إن اعتمد النص المحلي فالنصوص المحلية نراها، وفي معظم ما أنتج تقوم على حالات افتراضية قد تلامس الواقع المعاش الراهن ولا تخدشه بعمقه، وصلب علاقاته، وهذا يعود لأسبابٍ عديدة، قد يكون أولها العقل المقموع، أو قد يكون الخوف من التصدي لإشكاليات يتطلب التصدي لها، بالإضافة للوعي فيها طاقة كبيرة على المواجهة بممنوعاتها. هنا لا بد من الإشارة مثلاً للمسرح القومي، أو الوطني التي تشرف عليه المؤسسات الناظمة له في بلادنا العربية، ومنها سورية أنه ومنذ البداية أثارت مشكلة النص، أو ما بات يُعرف بـ (أزّمة النصّ العربي والمحلي) كتبرير من أجل تسهيل أمر النصّ المترجم الذي اعتمد عليه في أغلب عروضه بشكل رئيسي، بينما أهمل إلى حد كبير النصوص المسرحية العربية والمحلية، ولعلّ ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت من المسرح القومي السوري أو المصري أو غيرها من المسارح العربية التي تشرف عليها المؤسسات الثقافية، مثلاً: المسرح القومي السوري ومنذ التأسيس عام 1960م، في عروضه اقتصر على القلة المتعلمة من روّاده، تلك الفئة التي تهتم عادة بالظواهر الثقافية والفنية، ولم يستطع حتى تاريخه أن يؤسس لقاعدة جماهيرية عريضة اللهم إلّا في العديد من العروض خرج بها أصلاً عن الخط الأساسي الذي تبناه وسار عليه، حيث اعتمد فيها على مواصفات المسرحيات التجارية (الكوميديا الساذجة والنجوم)، ومع الأزمة السورية توسعت وزادت لدرجة أصبح الاستسهال أسلوب رخيص طغى على النصوص المعالجة، المعدة وعروضها التي خرجت عن الحالة الإبداعية لدرجة الغثيان، ولذلك كله، ما تزال سورية والوطن العربي غابة مجهولة في الإبداعات الأدبية، مع أننا نعيش في واقع تتداخل فيه التشكيلات، فيعيش البعير إلى جانب الصاروخ، والكمبيوتر وسلطة الاتصالات، والبداوة بمحاذاة المدينة، والمدينة باتت مزيَّفة (ريفية) فقدت تمدّنها، ولا نرى ظاهرة نقية يمكن معالجتها على أساس الولادة الطبيعية.
الحاجة إلى مساحة من النبت الديمقراطي
*دعنا نتفاءل بمستقبل المسرح العربي. دعني أسأل: إلى أية درجة نجح المسرح العربي عموماً والسوري بصورة خاصة في أداء وظيفته في ظل ثورة الاتصالات والمتغيرات العالمية؟ ..
ـ أعتقدُ أنه لم ينجح بعد ولأسباب عديدة؟ هنا لا بد من أن نؤكد على أن شأن الأدب المسرحي والعرض المسرحي في سورية اليوم، شأنه في أغلب البلدان العربية على الرغم من تفاوت تجاربها. هو ظاهرة متأخرة جداً بالنسبة إلى سائر الفنون الأدبية التي قطع بعضها أشواطاً جيدة في التطور مثل: الرواية، القصة القصيرة، وأعتقد إذا ما تجاوز عقد تأخره فلن ينهض، وأعود وأذكر كما ردّدت مراراً: لطالما أن المسرح هو ظاهرة ثقافية جمالية وحضارية، فهو وليد حاجة اجتماعية نفسية من جهة وفنية فكرية من جهة أخرى، ذلك لأنه جامع لسائر الفنون الأدبية، ولكي يزدهر لا بد له من مساحة من النبت الديمقراطي، أو مناخٍ لبرالي مناسب على الأقل حتى يتمكّن من تأدية دوره، وهذا لم يتوفر له بعد، وإن توافر فهو في إطار ضيّق جداً، وهذا أحد أهم أسباب أزْمَة المسرح برأيي. أمّا عن وظيفته في ظل ثورة الاتصالات والمتغيرات، إضافة للأسباب السابقة التي سقتها في متن حديثي هو أن المسرح العربي مازال يحبو، ولم يصل بعد إلى مرحلة الوعي لخصائص نضوجه التي مازال يفتقدها، ولم يؤسس لها أسباب النضوج العلمية التطبيقية والمعرفية الفكرية في ظل مجموعة متغيرات سياسية تاريخية اقتصادية اجتماعية فكرية وفنية .
*تتهم على أنك أحد صائدي الجوائز. فقد نلت أكثر من جائزة في القصة القصيرة، وفي المسرح تأليفاً وإخراجاً محلياً وعربياً. ماذا تقدم الجائزة للأديب من حافز مادي ومعنوي برأيك؟
– الجائزة بكلمات مختصرة جداً أوّل ما تعنيه لي التجاوز والاستمرار والوجود، وعدم التوقف والاستسلام لها. لأن الجائزة بحد ذاتها لا تصنع أديباً، بل هي أداة تحفيز لكي يستمر العطاء ـ ويستمر تطور الكاتب نحو الأفضل من خلال الاستزادة المعرفية، وفهم التعامل مع الأدوات الإبداعية وفهم أكبر للعلاقات الإنسانية بكل أشكالها واشكالياتها المختلفة. أعترف أنني خلال أكثر من ربع قرن حصدت على جوائز كثيرة في القصة القصيرة والنص المسرحي والإخراج المسرحي في سوريا، وفي غيرها من البلدان العربية. أذكر منها جائزة الإبداع المسرحي العربي ـ جائزة مئوية محمد تيمور لعام 1993 بالقاهرة، وجائزة أفضل إخراج مسرحي في مهرجان الرقّة الدولي الثالث للمسرح عام 2007م، الجائزة التشجيعية لاتحاد الكتاب العرب عن مجمل مؤلفاتي المسرحية لعام 2007م، جائزة الأسبوع الأدبي لعام 1992م، جائزة أفضل إخراج مسرحي للمسرح الجامعي عام 1999م مدرج جامعة حلب، جائزة القصة القصيرة للجامعات والمعاهد السورية مناصفة مع القاص نجم الدين سمّان عام 1982م، وهناك جوائز عديدة أخرى في المسرح، ومسرح الطفل تأليفاً وإخراجاً، وأخيراً جائزة الدكتور نبيل طعمة ـ دورة أبي خليل القباني لعام 2011 حيث نلت الجائزة الأولى، وتعتبر هذه الجائزة من أهم الجوائز الأدبية العربية في حينها، و لمكانتها الأدبية الرفيعة وقيمتها المادية الكبيرة.
عجز اللغة على مواكبة العصرنة!
*كنت قد تقلدت عديد من المناصب القيادية في اتحاد الكتاب العرب، منها: عضو المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب بالرقّة، ثم رئيساً لفرع الرقّة أكثر من مرّة، ومقرراً لجمعية المسرح لسنوات طويلة، ومن ثم عضو مجلس اتحاد لأكثر من دورة. كيف تقرأ هذا التقليد لهذه المناصب؟
ـ مناصب إدارية تعنى بتقديم التسهيلات والخدمات للأعضاء المبدعين من باحثين وكتّاب وشعراء، والاختيار لهذه المراكز مشروط أولاً وأخيراً بالانتخاب والنجاح. على كل حال.. المنصب ليس هدية.
*من آنٍ لآخرَ يثورُ نقاشٌ وتحتدمُ المعارك بين مختلف الفرقاء، بين من يُفضلون اللهجةَ العاميةَ لغةً للحوارِ المسرحي، وبين من يُفضلونَ الفُصحى، وهذه المعاركُ حتى تاريخِه لم تُسفر عن نتيجةٍ نهائيةٍ حتى أضحت هذه المعارك مشكلة.
أنت مع من؟ وأيهما تفضل الكتابة بالعامية أم بالفصحى؟.
– ما أسلفت جزء من المشكلة التي وقع فيها المسرح العربي الذي يعيش أزّمة احتضاره هو النصّ المسرحي العربي بشكليه الفصيح والعامي، وأقصد هنا ثنائية التناقض بين الفصحى كلغة والعامية كلهجة. معظمُ العاملينَ في المسرحِ، ومن كلِّ الاختصاصات أدركوا بأن مسرحنا العربي يعيشُ أزمة لكنهم يختلفونَ في تحديدِ أسبابِها ، وقد أظهرَ بعضهم عيوبَ هذا المسرحِ في أبحاثِهم ودراساتِهم التي تناولت هذه الأزمةَ جزئياً أو كلياً، فكتب فاروق عبد القادر “ازدهار وسقوط المسرح العربي في مصر”، وفريدة النقاش “لعبة المسرح بين القطاع العام والخاص”، و كتب إبراهيم حمادة “البحث عن قالبٍ مسرحيٍّ عربٍي جديد”، وكتب توفيق الحكيم “قالبنا المسرحي”. وفي سوريةَ الأسماء عديدة، فكتب عبد الله أبو هيف عن “الإنجاز والمعاناة في المسرح السوري”، ورياض عصمت في كتابيه “بقعة ضوء” و
“ضوء المتابعة”، وعبد الفتاح قلعجي في كتبه العديدة منها: “مسرح الريادة 1988″، وكتاب “سحر المسرح” وغيرها، وفرحان بلبل في كتابه الهام “المسرح العربي في مواجهة الحياة”، وكتّاب آخرون أثرت دراستُهم واقعَ المسرحِ السوري المعاصر. فرحانُ بلبل في كتابه “المسرحُ العربيُّ في مواجهة الحياة” لخص عيوبَ أو أسبابَ هذه الأزمةِ .. وبَّيَن أهمَ النقاطِ التي كانت تقفُ عائقاً في طريق تطورهِ .. نذكرُ منها