للمصري هشام الخشن.
تتناول الرواية مصائر الشعوب ومدى ارتباطها بأفكار وقرارات قادتها وزعمائها حيث يقول الكاتب :
البشرية معذّبة بزعمائها وشطحاتهم ، يجرون بالشعوب يميناً ويساراً، أو ينزلون بهم لدروك سفلى لتحقيق ذاتيّاتهم، ولإشباع عواطف شبّوا عليها حبّاً او كرهاً.
يتجلّى هذا الكلام واضحاً من السطور الأولى للرّواية حيث يكتب : “لو استرقنا السمع ، سيأتينا من بعيد أنين ضحايا البشر عبر التاريخ، يشكون ظلم نظرائهم الّذين استظلّوا بوجوبيّة ما اقترفوه من بشاعات…سيؤرقنا الأنين بعض الوقت ، ثم سيخفت سريعاً حين تحيل ذاكرتنا أولئك الضحايا لأرقام مسلسلة في مدوّنة التاريخ.
تبدأ أحداث الرواية في عام 1993 في إحدى صالات المزادات العلنية في برلين . القطعة المعروضة للبيع هي كمان من صنع أشهر صنّاع الكمان في التاريخ ، أنطونيو ستراديفاري.
يتصاعد الرقم المعروض للشراء ليصل إلى خمسة ملايين دولار وفجأة يتم إيقاف المزاد بناءً على بلاغ من النائب العام لوجود منازعة على ملكيّة الكمان . بداية قويّة وموفّقة يبدأ بها الكاتب روايته ، ليأخذنا بعدها في رحلات عديدة ، تارة خطفاً إلى الماضي ، وحيناً نعود إلى الحاضر ، ميممين شطر مدن عدّة هي :
القاهرة، برلين، بوينس آيرس، برلين بشطريها الغربي والشرقي، زرمات ( سويسرأ)، جنوى( إيطاليا)، سول( كوريا)، سانتياغو( تشيلي).
بعد حادثة المزاد نعود إلى عام 1938 ، تحديداً ليلة التاسع من تشرين الثاني منه، وهي الّليلة المعروفة ب ” ليلة الكريستال” حيث بدأت موجة عنف ضد اليهود تحت حكم هتلر ، تم فيها تحطيم محلاتهم وواجهات منازلهم ( سميت الليلة بهذا الاسم لكثرة الزجاج الّذي تناثر في الطرقات) .
يتعرّض في هذه الّليلة متجر رهونات شخص يهودي يدعى مائير للإعتداء ، لكن جاره ضابط الشرطة الألماني شميدت يدافع عن أسرة مائير مما يفقده عمله فيما بعد.
ليليان وهيلدا ابنتا شميدت،هما بطلتا الرّواية. يقع الاختيار على ليليان للعمل كسكرتيرة لدى إيخمان وهو أحد الضباط الكبار في جهاز الأمن العام للرايخ ، لكن بعد هزيمة هتلر تعمل في بنك . بعد انفصال ألمانيا وإقامة جدار برلين في عام 1961 ،
تذهب هيلدا مع حبيبها عازف الساكسفون إلى ألمانيا الشرقية ، بينما تبقى ليليان في الغربية ليطاردها الماضي من خلال عملها السابق الذذي لم تقترف من خلاله أي جريمة.
ما هو مصير هيلدا وزوجها وابنتهما التي انجباها في برلين الشرقية؟ ما مصير ليليان وأين سيحطّ بها الرحال؟
ما علاقة الكمان بالشقيقتين؟
قد يرى القارىء تعاطف المؤلف مع اليهود وما عانوه في معسكرات النازيّة ، إلّا أن الكاتب يخرج من هذا المطب حيث أنّه يبرع في رسم صورة للتاريخ لقراءته بوضوح حيث يتبيّن أن كلا الطرفين الألماني واليهودي كانا ضحيّة لزعماء قادوا العالم إلى الهلاك في سبيل مجدهم الشخصي.
في نهاية العمل يطرح الكاتب تساؤلاً على لسان إحدى بطلات العمل حيث تقول: هل تم تعويض البولنديين والغجر والسلافيين الّذين قتلهم هتلر مع اليهود في أفرانه؟
هل سمع العالم صوت أنين هؤلاء مثلما سمع عن مأساة اليهود؟ هل تم تعويض الهنود الحمر في أميركا، أو الأرمن على ما تعرّضوا إليه من مذابح على يد الأتراك؟
ولعلّ اسألك هل اعترف الأتراك بما فعلوا بالأرمن؟
لا أقلل بأي حال من فظاعة ما عانى منه اليهود تحت حكم الرّايخ الثالث، ولكنني أشير لضحايا آخرين وبنفس الكثرة، لم تصل ماساتهم لمسامع العالم كغيرهم… أو لنقل أنّ اصواتهم كانت خافتة ، لم تؤثر بالدّرجة الكافية في ضمائر البشر .
رواية جميلة جداً ، تذكرت أثناء قراءتها فيلم ” القارىء ” للمخرج ستيفن دالدري، بطولة كيت وينسلت ورالف فاينس.