للمصري هيثم دبور.
من روايات التشويق التاريخي التي تستلهم تقنيات الكاتبين، الإيطالي أمبرتو إيكو في رواية “اسم الوردة”، والأميركي دان بروان في رواية “شيفرة دافنشي”
واللتين تدور أحداثهما في أجواء مشابهة، وتعتمدان على حبكة بوليسية تنطلق من فك ألغاز جريمة قتل داخل مؤسسة دينية .
ما يميز رواية دبور هو التشكيك في معنى التاريخ والدعوة لمراجعة تصوراتنا عنه، واشتغاله على بحث مطول حول أساطير المكان والبيئة المحيطة إلى جانب وعيه بالتفاصيل التي تخص التاريخ الدرامي لكل شخصية من شخصيات الرواية. كذلك الجهد الواضح لشرح التقنيات الطباعية التي يستعملها المصورون في طباعة الصور ( يعنون الكاتب فصول روايته الأربعة بأسماء ألوان ألواح الطباعة بالترتيب :
سيان: الأزرق، ماجينتا: الأحمر الدموي ، يلو : الأصفر ، بلاك : الأسود ) ، فمشكلة البطل التي أنهت صداقته بالراهب وأدت إلى إخراجه من الدير حيث بدأت لعنته من لحظة قيامه بطباعة صور الدير بتقنيات تغير من ألوانها لتفادي “عمى الألوان” عند الراهب ” بافلوس ” الذي شعر بأن المصور بهذا السلوك يهينه، فأخرجه من الدير لتبدأ اللعنة. الحدث الرئيس الذي انطلقت منه الرواية، هو القبض على المصور الفوتوغرافي ومنظم الرحلات السياحية ” أحمد بهي” عند وصوله إلى مطار القاهرة عائداً من المغرب، لكونه مشتبهاً في تورطه في جريمة قتل الراهب “بافلوس” داخل دير سانت كاترين التاريخي في منطقة سيناء. من خلال تعدد مسارات السرد سنرى تداخل الأدوار بين الرهبان والبدو المحيطين بالدير والعاملين كحرّاس له، فضلاً عن ممثلي الجهات الأمنية والحكومية عقب انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2011 في مصر، بحيث يبدو الجميع متورطين بدرجة أو أخرى، ومعهم ” روث ” الباحثة الأجنبية في مركز لحماية البيئة التابع لجامعة قناة السويس.
ينجح ” بهي ” في الهرب من قبضة المحققين بمساعدة ” روث “، ويتتبعان معاً تفاصيل الأيام الأخيرة للراهب الذي كان صديقاً له ومكنه من التعرف على أسرار المكان وتصويرها بدقة إلى جانب اطلاعه على مخطوطات وكتب نادرة، ثم ينضم إليهما “أبوعمران” من قبيلة الجبالية المكلفة بحماية الدير وخدمته منذ قديم الزمان. تستدعي الرواية مجموعة من الأحداث والوقائع التاريخية والأساطير التي تأسست حول المكان وأضفت عليه طابعاً غرائبياً. النص يحتشد بتفاصيل عن حياة البدو المحيطين، وعاداتهم اليومية والفوارق التي تميز كل قبيلة مما يظهر جدل العلاقة مع الدير،
فضلاً عن التوظيف الذكي للأساطير والعادات التي تأسست على العلاقة مع النار في المكان، وهي أساسية لتفسير سلوك “سليم” البدوي المغامر الذي اعتاد على ممارسة فعل القتل بوصفه الكائن الخارج عن أعراف القبائل . يتداخل الماضي بالحاضر من خلال استدعاء واقعة تاريخية لتسمّم خديوي مصر عباس باشا الأول (1813 – 1854) واغتياله وربطه بسلوكه الغرائبي واعتزاله الناس، كذلك نقرأ عن رحلة الصوفي الجيلاني الساعي لفك الشفرات في تفسير القرطبي حول موقفه من الصوفية،
وهي رحلة تشابه رحلة البهي بطل الرواية، في التخلص من تهمة القتل ومن آثام تجربة والده في بيع أرشيف المؤسسة التي يعمل فيها إذ وصمت الابن بذنب لاحقه. عند نهاية الرحلة نصل إلى القاتل،ونعرف ما هي الخبيئة التي يحتفظ بها الدير والتي تبحث كافة الأطراف عنها . تؤكد الرواية خطابها الذي تسعى إليه، وهو أن الصراع الحالي هو حول تأكيد وجود القوى المهيمنة في المنطقة وحتمية الصراع مع الآخر الإسرائيلي المجاور للمكان، وهو ما ندركه مع مطالعة رسائل جندي إسرائيلي لصديقته “شايا”،
وتأكيد ما تقوله عن العلامات حول صليب موسى المخبأ داخل الدير والأمثولة الدينية حول صراع السامريين مع اليهود في قصة هذا النبي، حيث أن الإسرائيليين ينظرون إلى السامريين ، على أنهم مجموعة من الخوارج ، بينما السامريون يجاهرون بكفر اليهود ويشككون في قصتهم عن هيكل سليمان ويرفضون ترك جبل جرزيم الّذين جاؤوا إليه قبل سنوات طوال. عن أي تاريخ يمكن أن نتحدث؟ وهل إن تحمّلنا زيف التاريخ نستطيع أن ندفع ثمن كشف حقيقته؟ يؤكد دبور في مستهل الرواية أن المعلومات التي بنيت عليها روايته ، صحيحة ، بينما الأسماء والشخصيات والأحداث والتفصيلات من خياله ويؤكد على صحة معلوماته من خلال التنويه إلى حادثة وقعت في أعقاب ثورة يناير 2011 ،
حين تسيّد الفلتان الأمني والسياسي الأجواء في مصر , فاقتحمت سيارة دفع رباعي بوابة دير سانت كاترين وتم احتجاز اثنين من الرهبان واضطروا لدفع إتاوة 150 ألف جنيه . صدر 71 قراراً بإزالة كنائس الدير ، وحرر مجلس مدينة سانت كاترين ضد الرهبان محاضر تهرّب ضريبي بغرض سجنهم.