سجّادة الأيام
إلى مدينتي (جرمانا)
د. نزار بريك هنيدي / دمشق
على سجّادةِ الأيّامِ أرمي جذوةَ القلقِ.
ومِنْ أغوارِ ليلِ القلبِ أنبشُ وشمَ داليةٍ،
تحدَّتْ غربتي بالصمتِ واتكأَتْ على قضبانِ نافذتي،
لتحرسَ ضحكتي وتصونَ لي لغتي،
وترقب عودتي في موكبٍ مِنْ نرجسٍ يختالُ بينَ خمائِلِ الألقِ.
* ألمُّ عَنِ الدروبِ غبارَ أسئلتي وأطلقُ في السهوبِ
وعولَ أخيلتي وأنتشلُ التفاصيلَ التي ألقَيْتُها مِنْ زورقي لمّا اعتراني هاجسُ الغرقِ.
* أتوقُ إلى معارجِ نجمةٍ كانت تفيضُ عليَّ أسراراً وسحراً
حينَ أفرشُ تحتها قلبي ومنذ رحلتُ عنها سَمَّرَتْ أوصالَها في صَفحةِ الأفقِ.
* وأرشفُ مِنْ سَماءِ الحارةِ الطينيّةِ الفرحَ الذي ما زالَ يَسبحُ
في الهواءِ مُعَلَّقاً في ذيلِ طائرةٍ مِنَ الوَرَقِ.
* أزيحُ ستارةَ الضوضاءِ عَنْ ترجيعِ أغنيةٍ،
تُرَفرفُ حولَ رأسي عندما أغفو وتجري في عروقي
حينما أطفو على حِمَمٍ مِنَ الأرقِ.
* أحاوِرُ طيفَ وَجْهٍ لم يَزَلْ رغمَ الضبابِ،
يبثّني النجوى نسيماً عند مطلعِ كلّ فجرٍ
أو شعاعاً حين ترفلُ غيمةٌ بعباءةِ الغَسَقِ.
* أحلّقُ في فضاءِ سَقيفةٍ شَهدَتْ حماقاتي،
وأخفَتْ أوَّلَ الهَمَساتِ والرعشاتِ واحتفظتْ بسرّ اللطخةِ الحمراءِ في عُنُقي.
* وأكشفُ في الأثيرِ عن ابتهالاتٍ لأحبابٍ يلفّونَ الزمانَ على أصابعهمْ،
لتنبعثَ المواعيدُ التي رَقَدَتْ على أرضِ الحديقةِ
أو وراءَ السورِ أوفي المنزلِ المهجورِ أوفي موقفِ الباصاتِ عندَ تقاطعِ الطُرُقِ.
* أفضُّ الخَتْمَ عن صندوقٍ اختبأتْ بداخِلِهِ رسائلُ
لم أجبْ عنها وأكداسٌ مِنَ الصورِ التي أهمَلْتُها حتّى
كأنّي قبلَ هذا اليومِ لَمْ أرَها وتذكاراتُ حبّ لم تزلْ
بالرغمِ مِنْ صَدَأِ السنينِ تثيرُ أمواجاً تَرجُّ مرافئَ الحَدَقِ.
* أراجعُ سيرةَ الريحِ التي غطَّتْ مغامرَتي بنَشْرِ سَحائبِ العَبَقِ.
ولمّا غابَتِ الشطآنُ واحتدَمَ الحَنينُ تسلَّلَتْ مِنْ خلفِ أشرعتي
وخلّتني وحيداً في مَهَبّ الشوقِ أنسجُ رايةَ العصيانِ مِنْ دَمعي ومِنْ عَرَقي.
فقلتُ سأخرقُ التيهَ الذي وَقَفَتْ على أبوابهِ روحي
إلى أنْ أستبيحَ ذراهُ ثمَّ أعودُ مَزْهوّاً لأرويَ
بالأساطيرِ التي حاولتها أشجارَ منطلقي .
* على سجّادةِ الأيّامِ أرمي جَذوةَ القلقِ
فهَلْ تبقي لنا الأيّامُ مُتّسعاً سوى الوَرَقِ .؟ !