إن مرحلة انتقالنا إلى منطقة الميدان كانت نقطة شؤم في حياتنا .
فرغم أنها المرة الأولى التي نمتلك فيها بيتاً وسيارة . لكنَّ العيش فيه كان صعبا .
فالميدان الذي كان السوَّاح الأوروبيون يلقبونه فيما مضى عندما يطلون عليه من قاسيون بذراع قيثارة الماندولين .
لم يبق من نماذج حياته الاجتماعية وشهامة أهله وتلاحمهم شيئاً ,
باستثناء الميل للتدين والاحتشام ونبذ العادات المدنية والانغلاق والتحجر وخصوصاً أننا لم نسكن
وسط الميدان حيث العوائل الراقية التي مازالت تمتلك شهامة أهل الميدان وحبهم لبلدهم ،
وإيمانهم أن الدين محبة وأخلاق . بل كان نصيبنا من السكن في أطرافه ، مما كان يعرضنا للتحرش كلما خرجنا .
حتى إخوتنا الصبية كان من الممكن أن يتعرضوا لذلك . والغريب بالأمر أن هذا الحي رغم ان أهله
فيما مضى حاربوا إلى جانب الشواغرة الاحتلال الفرنسي ، وظهر منهم العلماء والوطنيون .
لكن من سكنوا أطرافه كانوا متطفلين على المدنية .لم يشبهوا الميادنة الأصليين أوالشواغرة الذين
تقبلوا المدنية والإلفة . وكثيراً ماذكرت الوثائق التاريخية حالات شجار بين الميادنة والشواغرة منذ العهد الأموي إبَّان اشتداد عصبية القبائل القيسية واليمنية . وظهرت آثار الخلافات في تواريخ المماليك والعثمانين .وكثرت حديثاً في الكثير من الأماكن القريبة من الميدان الخلايا الارهابية , قبل أن تسيطر عليها قوات الجيش النظامي السوري .
كانت أحياء الميدان تتداخل عشوائيا مثل حياة سكانه .والبساتين التي كانت ترويها مياه بردى قد يبست واصفرت , ولم يعد أحد يجرؤ أن يصل بستان “أبو عاصي ” الذي اشتهرت به المنطقة التي كانت تدعى قديماً ” نهرعيشة ” . خصوصاً بعد أن انتشرت شائعةحول وجود جثة شابة في مقتبل العمر مطعونة ومرمية عند ضفة النهر الذي كانت مياهه تسير متثاقلة حتى جفت تماماً . وكذلك باتت صورة سكة القطار التي تربط دمشق ببيروت وتقطع الميدان الفوقاني مرتبطة بالكوابيس , بعد ان استيقظ السكان على جريمة بشعة كانت صاحبتها امرأة مُطَلَّقَة تعيش علاقة سفاح مع شقيقها . وحين اكتشف طفلاها تلك العلاقة عمدت إلى ذبحهما وتقطيعهما وجمعتهما في كيس ثم رمته عند السكة . كان التعصب يضرب أطنابه في الميدان الفوقاني . وسماعنا عن حوادث الاغتصاب في الأحياء المتفرعة عن نهر عيشة كان يتكرر. لذا لم يكن من الممكن أن يكون لي صديقات باستثناء صديقة بعلبكية الأصل ,وصديق صيدلاني , وعائلة اسماعيلية .كانت الفتيات فيها تصغرنني سناً . ( تهامة ومي ورلا )، لكنًهن ذوات أذهان متفتحة وثقافة وذكاء وقَّاد . كنت أشعر بالمتعة حين التقي بهنَّ . وكان والدهنَّ وشقيقهنَّ وأعمامهن نماذج للناس التي تمتلك الوعي والثقافة . وربما كُتِبَ عليهم العيش مثلنا في ذلك المكان مكرهين .وقد توفيت والدتهنَّ . فبدأت زياراتي لهنَّ تتضاءل خشية من ألسنة الجيران التي كانت كألسنة الثعابين .وكثيراً ماطلبنا من والدي أن ينقلنا من ذلك الحي الذي قلب حياتنا رأساً على عقب . فمنذ قررنا الانتقال إليه قرر أبي أن يفرض علينا الحجاب دون قناعة منَّا . فكنتُ أرتدي الحجاب وحين أصل إلى الجامعة أنزعه . لكن الأمر كان مُحْرِجاَ بالنسبة لي , فقررت أن لاألبسه وأتحدى والدي . وعدت ذات يوم بدونه لأستشف ردة فعل أبي . فلم ينتبه . لكن أمي انتبهت فسألتني امامه عن الحجاب .قلت لها : لقد خلعْتُه . فَعَلَا صوت أبي وتهجَّم عليَّ . لكنني شعرتُ أن غضبه مصطنعا . حيث فسح لي مجالاً لنقاشه .وأحسستُ أنه قابل للحوار , لكنه لايفضل أن ننزع الحجاب في حيِّنا المقيت . وفي صباح اليوم التالي قررت أن أخرج من المنزل بدون حجاب . وارتديت ثوباً مزركشا ذو ياقة مفتوحة .وزينتُ أذنيَّ بحلقين . فنهض والدي وكأنه كان ينتظر خروجي .قلت : لو ذبحتني الآن لن أرتديه .كان والدي يرتدي ” بيجامة ” عريضة حريرية .وكانت طويلة ،فرفعها بسرعة إلى الأعلى ،فحصرت خصيتيه ، وبرز كرشه .وقبل أن يلحقني لمحته ينظر إلى نفسه ويضحك . فخرجت من الباب مطمئنة, لكنه لحقني بالحجاب ( لايريد أن يتراجع عن موقفه ) .فركضت امامه ، وحين التَفَتُّ للخلف رأيته يضحك .ثم التفَّ وعاد أدراجه .أما أنا فتابعت طريقي نحو الجامعة وأنا أشعر بنشوة الانتصار .
وسط الميدان حيث العوائل الراقية التي مازالت تمتلك شهامة أهل الميدان وحبهم لبلدهم ،
وإيمانهم أن الدين محبة وأخلاق . بل كان نصيبنا من السكن في أطرافه ، مما كان يعرضنا للتحرش كلما خرجنا .
حتى إخوتنا الصبية كان من الممكن أن يتعرضوا لذلك . والغريب بالأمر أن هذا الحي رغم ان أهله
فيما مضى حاربوا إلى جانب الشواغرة الاحتلال الفرنسي ، وظهر منهم العلماء والوطنيون .
لكن من سكنوا أطرافه كانوا متطفلين على المدنية .لم يشبهوا الميادنة الأصليين أوالشواغرة الذين
تقبلوا المدنية والإلفة . وكثيراً ماذكرت الوثائق التاريخية حالات شجار بين الميادنة والشواغرة منذ العهد الأموي إبَّان اشتداد عصبية القبائل القيسية واليمنية . وظهرت آثار الخلافات في تواريخ المماليك والعثمانين .وكثرت حديثاً في الكثير من الأماكن القريبة من الميدان الخلايا الارهابية , قبل أن تسيطر عليها قوات الجيش النظامي السوري .
كانت أحياء الميدان تتداخل عشوائيا مثل حياة سكانه .والبساتين التي كانت ترويها مياه بردى قد يبست واصفرت , ولم يعد أحد يجرؤ أن يصل بستان “أبو عاصي ” الذي اشتهرت به المنطقة التي كانت تدعى قديماً ” نهرعيشة ” . خصوصاً بعد أن انتشرت شائعةحول وجود جثة شابة في مقتبل العمر مطعونة ومرمية عند ضفة النهر الذي كانت مياهه تسير متثاقلة حتى جفت تماماً . وكذلك باتت صورة سكة القطار التي تربط دمشق ببيروت وتقطع الميدان الفوقاني مرتبطة بالكوابيس , بعد ان استيقظ السكان على جريمة بشعة كانت صاحبتها امرأة مُطَلَّقَة تعيش علاقة سفاح مع شقيقها . وحين اكتشف طفلاها تلك العلاقة عمدت إلى ذبحهما وتقطيعهما وجمعتهما في كيس ثم رمته عند السكة . كان التعصب يضرب أطنابه في الميدان الفوقاني . وسماعنا عن حوادث الاغتصاب في الأحياء المتفرعة عن نهر عيشة كان يتكرر. لذا لم يكن من الممكن أن يكون لي صديقات باستثناء صديقة بعلبكية الأصل ,وصديق صيدلاني , وعائلة اسماعيلية .كانت الفتيات فيها تصغرنني سناً . ( تهامة ومي ورلا )، لكنًهن ذوات أذهان متفتحة وثقافة وذكاء وقَّاد . كنت أشعر بالمتعة حين التقي بهنَّ . وكان والدهنَّ وشقيقهنَّ وأعمامهن نماذج للناس التي تمتلك الوعي والثقافة . وربما كُتِبَ عليهم العيش مثلنا في ذلك المكان مكرهين .وقد توفيت والدتهنَّ . فبدأت زياراتي لهنَّ تتضاءل خشية من ألسنة الجيران التي كانت كألسنة الثعابين .وكثيراً ماطلبنا من والدي أن ينقلنا من ذلك الحي الذي قلب حياتنا رأساً على عقب . فمنذ قررنا الانتقال إليه قرر أبي أن يفرض علينا الحجاب دون قناعة منَّا . فكنتُ أرتدي الحجاب وحين أصل إلى الجامعة أنزعه . لكن الأمر كان مُحْرِجاَ بالنسبة لي , فقررت أن لاألبسه وأتحدى والدي . وعدت ذات يوم بدونه لأستشف ردة فعل أبي . فلم ينتبه . لكن أمي انتبهت فسألتني امامه عن الحجاب .قلت لها : لقد خلعْتُه . فَعَلَا صوت أبي وتهجَّم عليَّ . لكنني شعرتُ أن غضبه مصطنعا . حيث فسح لي مجالاً لنقاشه .وأحسستُ أنه قابل للحوار , لكنه لايفضل أن ننزع الحجاب في حيِّنا المقيت . وفي صباح اليوم التالي قررت أن أخرج من المنزل بدون حجاب . وارتديت ثوباً مزركشا ذو ياقة مفتوحة .وزينتُ أذنيَّ بحلقين . فنهض والدي وكأنه كان ينتظر خروجي .قلت : لو ذبحتني الآن لن أرتديه .كان والدي يرتدي ” بيجامة ” عريضة حريرية .وكانت طويلة ،فرفعها بسرعة إلى الأعلى ،فحصرت خصيتيه ، وبرز كرشه .وقبل أن يلحقني لمحته ينظر إلى نفسه ويضحك . فخرجت من الباب مطمئنة, لكنه لحقني بالحجاب ( لايريد أن يتراجع عن موقفه ) .فركضت امامه ، وحين التَفَتُّ للخلف رأيته يضحك .ثم التفَّ وعاد أدراجه .أما أنا فتابعت طريقي نحو الجامعة وأنا أشعر بنشوة الانتصار .
يتبع …
إنهاء الدردشة