لماذا الة الطنبور الكلاسيكي الاكثر تعبيرية من بين الالات الوترية ؟

ان الالات الموسيقية الوترية مختلفة عن بعضها البعض من نواحٍ عديدة
منها اختلافات فيزيائية مرتبطة بجسم الالة وتناسقها فيما بينها من حيث
النسب الرياضية بين الوتر المسبب للاهتزاز والصندوق المُصدر للصوت الذي
يعبر عن شخصية الالة الموسيقية وبين نوعية الصوت الموسيقي الصادر عنها
والذي يتوافق غالبا من اصوات من الطبيعة الازلية .
فمن الالات الوترية ماهو يقترب من صوت قطرات الماء ومنها ماهو قريب
من صوت حروف الانسان ومنها ماهو قريب من صوت الرياح ومنها ماهو قريب
من صوت الانسجام الحاصل فيما بينها مجتمعة ومنها ماقاله بعض الفلاسفة
عندما ارتبطت عنده الموسيقى بفلسفة الفلك وبنى عليها افتراضات لاصوات
الاجرام السماوية وما قد تتخيله عبقرية البشرية المتطورة والتي استطاعت
ربط الوجود بالاله بالموسيقى ..
كل هذه الاستنتاجات الحاصلة من تقارب وتوافق الاصوات الموسيقية وقربها
من الطبيعة تبقى مجردة وخاليه من اي حياه مالم يتدخل فيها اللاوعي
والخيال العبقري الذي يستمد من الطبيعة ادواتها المجردة وتخرجها الموسيقى
الى الطبيعة مرة اخرى رافدا هاما جدا في الوجدان الانساني والبعد اللامادي للبشرية ..
ومن هنا اتت الناحية التعبيرية غير المقصودة في بدايتها والتي شكلت فيما بعد
مدرسة موسيقية نادرة لم يشتغل عليها الا من ادرك هذه الحقيقة الفلسفية ..
ولعل هذه الحقيقة الفلسفية ادت فيما بعد الى تنوع وابتكار اساليب بل
وآلات متنوعة ادت الى الغنى الموسيقي والفني في حياة علماء الموسيقى الالية ..
ولابد ان اذكر ان الموسيقى الالية هي مجموعة الافكار والمشاعر الانسانية
المتحولة من عطاء الطبيعة للانسان وعطاء الانسان لها اي الحالة التبادلية
التي انتجت شيئا لايمكن الا للانسانية الموسيقية ان صح التعبير امتلاكها ..
وبالتالي يمكننا القول ان الموسيقى الالية هي البداية وليست البدائية
وهي الارقى والاصدق تعبيرا والاجود صناعة من الموسيقى اللاحقة
التي كانت نوعا مرافقا للكلمة ( الاغنية ) ..
وبعد تلك المقدمة ومعازدهار وتطور الالات والموسيقى اختلفت النواحي التعبيرية
بين الالات الموسيقية.
فمن الالات التى تملك اوتارا اكثر فأنها تملك غنى اضافيا
وشخصية مختلفة عن غيرها من الالات ..
بالاضافة الى نوعية اصوات الاوتار وشكل الالة الذي يفرض صوتا معينا
يعطي انطباعا يوافق طبيعة الالة الموسيقية .
ولكي نوضح هذه المعلومة لابد من اقتباس كلام العلامة الفارابي حين قال
(ان صوت العود هو اقرب الاصوات الى صوت الانسان اما الطنبور فهو اكمل الاصوات ) ..
ليس المقصود من المشابهة اي المماثلة وانما المقصود هو الطباع ..
فعندما اُخترع صوت الطنبور او نشأ انما كانت فكرة الانسان وصوله وفهمه
الى الميتافيزيقيا وادراك ماهو مابعد السماء والكواكب فكان اسمه ( تا نا بور )
اي صوت الافلاك او طنين السماء لما في الانسان من قوة الخيال والتطلع الى
ال ما ورائيات ولعل السائل يقول لماذا الطنبور بالذات اقول لان الطنبور
باسلوبه بعزف الوتر الواحد الطويل جدا انما فيه جل الصدق والانسجام فيما
بينه للوصول للحالة الصوتية الاوحد فيما لو كانت نابعة من عدة اوتار متوافقة
فيما بينها على المزاج النفسي والطبيعي للانسان .وبالتالي فان كل الاصوات
الموسيقية الصادرة من وتر واحد هي (اصدق نطقا ولفظا وتعبيرا) من تلك الاصوات والنسب الموسيقية المؤلفة من كل وتر على حد مما قد يؤدي الى اختلافات تعبيرية في
الحالة العامة لصوت الالة الموسيقية.
ومن ناحية اخرى فان طول الوتر الواحد وطريقة شده والنسب المشكلة منه
تشكل عاملا اضافيا للتعبير عن الحالة .. كل هذه الامور انما هي جزء من الحالة المكملة للحالة النفسية والابداعية والانسانية للفنان الذي تختلف قدرته التعبيرية على قدر موهبته
وثقافته وعلمه ومدى ارتباطه بالسماء اي معتقده ..
ولذلك كان الطنبور الاكثر تعبيرية للجملية الموسيقية .
وهنا يجب ان نفرق بين التعبيرية من ناحية وطريقة اداء اللحن فهذا شيء
والاداء شي ء وسأتحدث عنه في مقالة اخرى ان شاء الله….
وتبقى الموسيقى وآلاتها مهما اختلفت وتنوعت ماهي الا رحلة طويلة
للنفس البشرية للتعبير عن مكنوناتها الغريبة والمجنونة والجميلة
كثيرا في كثير من الاحيان …

م. رامي حاج حسن … ٢٢ نيسان ٢٠٢٠ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top