أعترف أنني لا أعرف ما هو الشعر ..
تماما كما لاأعرف ما هو العطر ،
وما هي اللذة ، وما الألم والدهشة والغبطة .
محاولات تعريف الشعر منذ أرسطو أكثر من أن تحصى ،
ومع كثرتها وتنوعها لم تزد عن أنها اقتربت منه ودارت حوله ،
لتبقى عاجزة عن تعريفه التعريف الجامع المانع ،
وليبقى الشعر في النهاية كائناً متمنـِّعاً مستعصياً متأبـِّياً محتفظاً بسره في ذاته .
أجده مخبوءا في لغة القصائد ، ومع ذلك لا أستطيع القول إنـَّه لغة ، لأن اللغة ليست شعرا .
فهل هو الدبيب الذي يسري في نفس قارئه ليشعره أنه واقع تحت تأثير سحر ساحر ؟
هل هو روح الشاعر وقد ذابت في كلمات ؟ هل هو نتاج تمثله الخاص لما يراه ويحسه ويفكر فيه ؟
هل هو ما ينجم عن عناق حار يصهر وعي الشاعر وحساسيته وخياله ومهارته في الصياغة ؟
هل هو شعاع غير مرئي يدسه الشاعر في وعاء القصيدة ليصيب المتلقي بالانبهار والذهول ؟
هل هو سر الأسرار الذي لا ينكشف بكشفها ؟ لست وحدي من يجهل ما هو الشعر ،
فجميع الشعراء وخاصة الكبار الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس بشعرهم لم يستطع أحد منهم أن يخبرنا بحقيقته واكتفوا بالدعاء أن تبقى ناره متوهجة في أرواحهم ،
كاويةً جباهَهم وأصابعهم. أذكر بالمناسبة أن الشاعر الإسباني ” بيكر ” حين ألقت عليه إحدى جميلات مدينته إشبيلية السؤال :
ما هو الشعر ؟ ؛
لم يجد لمداراتها هروبا من الجواب المستحيل عن سؤالها المفاجئ سوى أن ينشدها هذه القصيدة الصغيرة الجميلة:
” – ما هو الشعر ؟
تسألينني وأنتِ تحدِّقينَ بعينيكِ الزرقاوين في عينيَّ .. – ما هو الشعر ؟
أأنتِ التي تسألين ؟
الشعر هو أنتِ ” …