يقول باولو كويلو “إذا أردت أن تكون ناجحاً.. عليك أن تحترم قاعدة واحدة.. لا تكذب على نفسك..” إذن ليس الكذب على النفس فقط هو طريق الفشل ولكنه مغالطة ينبغي ألا تقع في مطباتها وتعجز عن مغادرتها.. فالنجاح هنا مرتبط بمدى مصداقيتك مع نفسك أولاً.. ومن غير المنطق أن تنجح دون مواجهة مع النفس وطرح كل الأكاذيب جانباً.. ومسح تلك الذاكرة التي اعتدت أن تخبئ فيها كذبك وتعاود إنتاجه لنفسك متى أردت ذلك.. وبالتالي هذا الإغراق في الإنتاج ومن ثم المونتاج وغربلة الكذب كما يفعل البعض يدفعك لطريق مختلف ومتعرج ستظل فيه طويلاً ولن تغادره..
مشكلة من يكذبون على أنفسهم أن لا يتجنبوا الماضي المقروء للآخرين.. بل يعودوا إليه دوماً وكأنه حلقة متصلة بهم.. هذا الماضي هو تفاصيل كاذبة يعيدون تصديرها مرة أخرى للآخرين ولكن بعد أن يصدقوها هم أولاً وإلا لا مجال لتصديق الكذب إذا لم يصدّقه مؤلفه أولاً.. ولذلك تجد البعض يتوتر ويغضب ويثور عندما يجد أحدهم يكذب عليه وهو يعرف الحقيقة ولكن الكذاب يتجاهلها متعمداً.. لأنه جزء مهم من تفاصيل هذه الكذبة.. بمعنى أنه يكذب ويصدق كذبته.. وبالتالي تجد نفسك مغفلاً أمامه أو أنه هو من يحاول أن يجعلك مغفلاً وتافهاً وقد تضطر أن تقول له.. هل تصدق أنت ما تقوله هذا؟ حاول أن تكذب أفضل من ذلك وأن تصيغ كذبة بشكل أكثر إقناعاً.. لأنك إن نجحت في الكذب على نفسك فلن تنجح في الكذب عليّ.
وأحيانا يتطور الامر وينتقل من مرحلة الكذب على النفس إلى الازدواجية .
يرى علماء النفس في قدرة بعض الأشخاص على التأقلم بين شخصيتين متناقضتين وهم بكامل وعيهم، سببه يرجع إلى وجود مساحات واسعة في الدماغ موجودة أصلا في الإنسان عموما.. إلا أن هؤلاء الازدواجيين لا يستخدمون سوى جزء يسير منها.. وإنهم أيضا يعيشون صراعا مريرا بين ( أنآهم ) ذاتهم الأصل و ( قناعهم ) الذي تفننوا وبرعوا في ارتدائه لحظة يشاءون.. وهذا ما يسمى أحيانا بـ ( الفصام: schizophrenia ) وهو مرض نفسي يتفاوت استفحاله من شخص لآخر وفقا لحالته وعمر استفحال المرض عنده.. (يظهر المرض أول الأمر كتدهور تدريجي في سلوك الشخص أو انقطاع فجائي من الواقع فيبدو الشخص طبيعيا يوما ويمرض اليوم التالي وفي حالات أخرى يكون الشخص غير طبيعيا في الذود عن نفعيته المصالحية وبشكل علني ) مما يثير دهشة واستغراب أقرب المقربين لديه وممن هم حوله أو ممن يعرفوه منذ سنوات عديدة.
يؤكد الباحث (جنبلاط ألغرابي) على إن الشخصية الازدواجية تمثل مظهراً من مظاهر الشخصية غير السوية .
والازدواجية التي نعني بها في هذا المقال هي ما يقع من الفرد من أطروحات وأفكار تناقض أفعاله وسلوكياته، وعلى سبيل المثال الشخص الذي يطلب من الآخرين على العمل بالأدب والأخلاق ولا يقوم بتطبيق هذا الأمر مع نفسه، او يحاول ان يتظاهر أمام الناس بالكرم والشجاعة مع انه لا يملك هذه الصفات. وفي الواقع ان هذه الحالة لها نسبة متغيرة من فرد إلى آخر، فهناك ازدواجية عميقة جداً عند البعض قد تصل الى مرحلة الثبوت الدائم في الشخصية لذا يمكننا ان نصنفها بأنها مرض. اما حالات الازدواجية البسيطة والتي تراود الشخص من وقت الى اخر، فلا تجسد المرض بقدر ما هي اعراض مرتبطة بالوضع الخارجي، اي الاجتماعي، ونستطيع ان نطلق على هذا الحالة (الازدواجية بالاستعانة). علماً ان اطلاقنا لهذا اللفظ بنُي على سبب ارتباط الازدواجية بموضوع عابر،فقد يحتاج البعض ان يكون ازدواجي الشخصية من اجل حل مشكلة معينة او لمعالجة ظرف طاريء فيما يرى الدكتور (محمد عبد المنعم) في الشخصية الازدواجية انها (شخصية مضادة للمجتمع السوي). ونحن نرى: ان إزدواجية الشخصية أصبحت مرضاً مستشرياً عندنا ولم يعد بالإمكان السيطرة على مثل هذا الوباء في مجتمعنا ، فكثر من يكذب على نفسه وأصابت الازدواجية عدد غير قليل من أفراد المجتمع .
وأخيرًا: نصيحتي لنفسي ولكم عليك بمواجهة النفس وتحمل نتائج كل أفعالك ومحاولة التخلص من نظرية الشماعات، وتجنب تعليق أخطاءك على أكتاف الآخرين، عليك أيضًا التخلص من الآثار السلبية التى تراكمت داخلك لأنك الوحيد الذى مازلت تتذكرها، ولا تسمح للآخرين بالسيطرة على أفكارك أو سلوكياتك.
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) غافر اية(44)