وراء الأكمة ما وراءها

“يقولــــــون أن الكتابة اثــــم عظيـــم …
فلا تكتب وان الصلاة امام الحروف …
حرام فلا تقرب … وان مداد القصائد سم فإياك أن تشرب….
وها أنـــــذا قد شربت كثيرا فلم اتسمم بحبر الدواة على مكتبي وها أنــــا ذا … قد كتبت كثيــــرا …

قصة مثل:
“إن وراء الأكمة ما وراءها ”
لكلِّ أمةٍ من الأممِ تُراثها الخاصّ فيها والذي تمتاز فيه عن غيرها من الأمم، مما أورثه العرب لبعضهم جيلًا بعد جيل هو الأمثال، وهي التي تُقال في واقعةٍ ما تُعبِّر فيها عن الموقف بالقليل من الألفاظ، ومن ثم يتداول النَّاس تلك العبارة في مواقف أخرى مُشابهة.

 وتتنوع الأمثال ما بين تلك التي تتحدث عن الشجاعة أو الكرم أو الرجولة أو الحمية أو غيرها، ومن بين الأمثال التي تداولها النَّاس بشكل كبير المثل القائل ” إن وراء الأكمة ما وراءها” والأكمه هي المكان العالي والمرتفع،
وقد يُقال عن التل العالي الأكمة، و غالبًا ما يٌقال هذا المثل إذا أُريد به التعبير عن أمرٍ مخيف أو مريب، أو إذا أُريد به الإشارة عن أمرٍ غير معروفٍ بالضبط.

 أمَّا قصة مثل إن وراء الأكمة ما وراءها
فيُحكى أنَّ إحدى النّساء أحبَّت رجلًا ما حُبًّا عظيمًا وكانت تلتقي به ما بين الحين والآخر، وفي يومٍ من الأيَّام عضَّها الشوق كثيرًا فواعدته أن تراه وتلتقي به وراء الأكمة إذا جنَّ الليل،
ولم يعد هناك رجلٌ في المكان، وكانت تلك الفتاة تقوم على خدمة أهلها ومساعدتهم في شؤون حياتهم وتعينهم على أمرهم.

ولكن لكثرة مطالب أهلها فقد شغلوها عن الذهاب إلى ذلك الموعد الذي ضربته مع حبيبها وراء الأكمة،
فلمَّا غلبها الشوق ولم تعد تستطيع الصبر على وصاله فضحت أمرها وقالت: «حَبَسْتُمُونِي وَإِنَّ وَرَاءَ الأَكَمَةِ مَا وَرَاءَهَا».
وفيما بعد أصبح ذلك المَثَل يُضرب إذا ما أفشى صاحب الأمر سره وأخبر عمَّا يخفيه، وليس في ذلك تعارضٌ إذا ما كان يُقصد بالمثل إفشاء المرء سر نفسه أو للتعبير عن أمرٍ مريب فكلاهما يصبَان في نفس البئر

جاءت هذه المقدمة الجميلة نتيجة للبحث عن معنى كلمة أكمة الواردة في العنوان، وفيها مصداقية تلك المقولة من وراء الأكمة للقارئ المقدسي أو العربي بل الإنسان أينما تواجد على وجه البسيطة بغض النظر عن معتقده وفي قلبه ذرة رحمة لعلها تصحوا تلك الغفوة

هكذا وجدتها في قاموس “لسان العرب، ولم أكن أحلم بحكاية مثل هذه، تكون مدخلاً لموضوع وعيد الفطر المبارك على الأبواب هذا العيد الذي اختفت مظاهره إلا من شعيرة الصلاة فحال الأمة لا يخفى على البعيد قبل القريب تهتز مشاعر العالم وتتسمر الأعين أمام شاشات التلفاز قتل وتدمير جوعى وعطشى بل قُل إبادة تقضى على الحرث والنسل وكأنها ساعة الخلاص من عالم الأقفاص.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]

مدن وقرى وعوائل سُحقت من السجلات المدنية وقصص يكاد يشيب لها الرضيع ما أن ينفض الغبار تظهر الويلات (وَيْلٌ لَكَ أَيُّهَا الْمُخْرِبُ وَأَنْتَ لَمْ تُخْرَبْ، وَأَيُّهَا النَّاهِبُ وَلَمْ يَنْهَبُوكَ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ التَّخْرِيبِ تُخْرَبُ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ النَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ)”

 لكن وراء الأكمة ماذا بعد أيها العالم ذو الوجهين {أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} آلاف النصوص التي حاولت تنقيته وتنظيفه وتربيته، كلها تنهار أمام هذه الطبيعة البائسة تُذكرنا قصة قابيل وهابيل وإلى متى ينزف شلال الدماء؟؟؟

 وعندما يعتقد الإنسان بأيدولوجيات من درب الخيال السحيق للقضاء على أخيه في الإنسانية فمن المنتصر فبأي غنيمة يغنم فالمنتصرون حين تضع الحرب أوزارها يجلسون على البيدر لتوزيع حصاد الغنائم، فيأخذ كل واحد نصيبه، حصل ذلك على امتداد التاريخ، وما زال يحدث، وإن اختلفت الأدوات، وطبيعة الانتصارات أيضا قصة الغنيمة، في تاريخنا وكذلك واقعنا، هي قصة ما آل حالنا اليوم بامتياز، بدأت في “أحد” حين خالف الرماة الأوامر، فنزلوا من أعلى الجبل خوفا من أن تضيع عليهم فرصة الغنيمة،

وما يُدار في جنح الظلام وما تغزله خفافيش الشرفي اليوم التالي!!!

من عجائب التراث وما أكثرها وما أكثر ما أحبتها نفوس، وما أكثر ما كرهتها نفوس أخرى وأنكرتها.. من حكايات التراث تلك الأحاديث أو الكتابات أو الإشارات الرمزية، حول الحياة ومآلها وحول الأحداث التي وقعت، أو التي سوف تقع ومن بين تلك الحكايات حكاية أوردها الجاحظ العظيم في كتابه المهم “الحيوان..

وهذه الحكاية والتي قد تكون رمزية قد وردت في حديثه عن طائر الخفاش.. حيث أشار إلى النهي عن قتله…!

 والسؤال لماذا؟

 فإنه يشير إلى ما ورد عن حماد عن سلمه قال حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن عمر  عن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم  قوله : “لا تقتلوا الخفاش فإنه استأذن في البحر أن يأخذ من مائه فيطفئ نار بيت المقدس إذا أُحرق”!!

 وقال هشام أيضاً حدثنا زرارة عن عبد الله بن عمر قوله:

 “لا تقتلوا الخفاش فإنه إذ خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم “كتاب الحيوان الجزء الرابع!!

الغريب في الأمر أن ما ذكره الجاحظ حول نبوءات تدمير القدس وإحراقه من قبل يهود هو فعلاً ما يعمل يهود ومعهم اليمين المتطرف المسيحي على تحقيقه في حرب “هرمجدون” المنتظرة، وهذا الكلام ليس من عندي، فهو موجود في الكتب المقدسة اليهودية لكنني سألمح إلى حديث أوردته الكاتبة الصحفية الأمريكية “جريس هالي” والتي اشتركت في رحلة إلى الأرض المقدسة حيث قام بتنظيم هذه الرحلة اليهودي المتعصب “جيري فولويل” صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير الذي كان يقدم كل يوم أحد في الولايات المتحدة ، حيث يتحدث فيه عن أرض الميعاد وعن معركة “هرمجدون” التي سوف ينتصر فيها الخير على الشر والتي سيقوم سيدنا المسيح بقيادتها من غرفة عمليات (Headquarters)!!

وتتحدث الكاتبة عن تدمير القدس حيث تشير إلى أنها قامت برحلتين إلى فلسطين وأنها التقت بالعديد من أهل “التدبير” ومن بينهم اليهودي المتعصب “أوين” .

تقول: لقد أخبرني “أوين” عندما كنا في المدينة المقدسة مشيرا بيده إلى قبة الصخرة قائلاً:

 ” إن النبوءات الإنجيلية تقضي بأن على اليهود تدمير هذا الصرح وبناء الهيكل اليهودي”

 وتقول أيضاً إن مشروع تدمير بيت المقدس يلاقي حماسة ودعماً شديداً من كثير من المتطرفين اليهود النافذين آنذاك، مثل “هاجان دانس” و “واروين ماتيوس” محرر الصحيفة اليهودية المشهورة “يهودا شوتس” وتاجر السلاح المكسيكي “ماركوس كاتس” كما يلقى دعماً قوياً من الأصوليين المسيحيين المتطرفين مثل “تيري هوفر”أحد أقطاب صناعة النفط، والدكتور “جيمس ديوك” راعي الكنيسة المعمدانية في هيوستن.

وتتحدث الكاتبة قائلة إنها ذهبت في رحلة مع أحد القادة اليهود واسمه “كلايد” إلى بلدة “هرمجدون” التي ستقع فيها المعركة المنتظرة والحاسمة.. حيث أوقفها “كلايد” على الموقع وراح يقرأ عليها فصلاً من (سفر حزقيال 38-39) من الكتاب المقدس اليهودي يقول:

“ستنهمر الأمطار، وتذوب الصخور، وتتساقط النيران، وتهتز الأرض وتتساقط الجبال، وتنهار الصخور، وتتساقط الجدران على الأرض في وجه كل أنواع الإرهاب”

ثم راح يقرأ نصاً آخر في (سفر زكريا 12-14) يقول: ” إن جلودهم سوف تتآكل وهم واقفون على أقدامهم، وإن عيونهم سوف تتآكل مآقيها، وإن ألسنتهم سوف تتآكل داخل أفواههم” وتعلق الكاتبة بقولها إن ذلك لن يتم إلا بسلاح نووي.!!

اليوم الاعتداء على المسجد الأقصى وعربدة المستوطنين وفي حربها على أهل غزة والضفة الغربية وجميع الشواهد تدل على وجود العنصر النووي في هذا السلاح..

أعود مرة أخرى وأقول: أعتقد أن إسرائيل لو اطلعت على نص الجاحظ لاعتبرته إرهابياً قديماً، وربماً تمت مصادرة كتبه من جميع المكتبات العربية.. ثم – وهذا المهم – لأمرت بشن حملة إبادة على الخفافيش، وربما استخدمت طائرات الأباتشي وطائرات الشبح بالذات، لأن الخفافيش وكما هو معروف تتمتع باستشعارات رادارية وفي هذه الحالة فإن مشكلة الخفافيش المسكينة أنها ستقع في ورطة عظيمة حول حماية نفسها، إذ لا يوجد لديها مجلس أمن “خفاشي” تشتكي إليه من العدوان اليهودي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن إذا وقع، ولا يوجد لديها أيضاً جامعة “خفاشية” شهمة تقوم بالتنديد.!!

أما أنا فإني أنادي بكل جهد يمتلكه صوتي وأقول: لا تقتلوا الخفافيش، بل أنظروا إليها نظرة إكبار وتقدير، فمن يدري فربما يأتي يوم نحتاج فيه إلى فزعة الخفافيش!!!

لك الله ياقدس………

المصادر

الراوي للحديث4: زرارة بن أوفى | المحدث: البيهقي | المصدر: السنن الكبرى للبيهقي

الصفحة أو الرقم: 9/318 | خلاصة حكم المحدث: موقوف وإسناده صحيح | أحاديث مشابهة التخريج: أخرجه ابن أبي شيبة (24178)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (5/ 1548)، والخطيب في ((موضح الأوهام)) (2/ 243)

أحمد سيد حامد آل برجل، حكايات الأمثال، صفحة 14. بتصرّف.

 [«مجمع الأمثال» للميداني (1/17) ص13 – كتاب مجمع الأمثال – إن وراء الأكمة ما وراءها – المكتبة الشاملة/عبد الله الناصر/يقودنا شغف الابتكار/ الشاعرة سعاد الصباح

Scroll to Top