إلى أي حد تمادى الروائي فواز حداد في الولوج إلى عمق شخصياته في روايته جمهورية الظلام ؟
إلى أي حد استطاع أن يقترب من التباساتها و تناقضاتها، أن يلمس ألمها ووحدتها وحشيتها واستبدادها، حنانها ووداعتها، ضعفها وشهواتها. هل استطاع أن يمس ذاك الخيط الرفيع الذي يفصل بين الخير والشر؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال الوجودي المحير.
لكن كاميرا فواز حداد المشاكسة لاتنفك تدور، تلتقط مشاهد مرعبة ومسارات مؤلمة، ومصائر تنتهي بالجنون أو الموت.
ربما تعطي أجوبة، أجوبة عرجاء . مثلها مثل الضمير المرن، فما بين مشاهد الجوع والاحتضار والأنين، و حقن الموت في مشفى الظلام،
والمعتقل المسهول الذي تغوط في ثيابه، فضُرب حتى الموت.
هناك ثمة عشب، وهناك ثمة غيم ونشيج مطر. فالمقدم الحزين القادم من بيئة السلطة ذاتها، المغرم بالعمليات الاستشهادية،
الذي يحمل رؤى ساذجة لواقع شديد القسوة، والذي أصبح فجأة رئيساً للفرع ٦٥٠ الجديد، المختلف في تخصصه،
وفي طبيعة زواره من الأدباء والمثقفين. هاله أن يرى معتقليه يوشكون أن يموتوا جوعاً،
فهو يملك ضميراً ! ضميراً أعرجاً أو مرناً لافرق، ما كان منه إلا أن قام بالسطو على ماتبقى من بغال و كلاب وقطط وحمير تركها أصحابها هربا الى أمكنة آمنة، وأقام لهم حفلة شواء فاخرة.
حيث استدعت رائحة الكباب المشوي والخبز المسقسق بالدهن مع زبادي السلطة المتبلة بالرمان إلى ذاكرة المعتقلين المذهولين من هذا الرخاء المفاجىء الذي هبط عليهم، ذكريات، سيارين يوم الجمعة،
في بساتين الغوطة، وعلى ضفة بردى، رائحة الأراكيل، البطيخ في النهر البارد ، التراشق بالماء على ضفة بردى، ذكرتهم أنهم كانوا في يوم ما بشراً .
واقع أم تخيل …
لم يكتب فواز حداد هذه الرواية ، ليؤرخ او يوثق هذا العالم المظلم ، هو ليس مؤرخاً ، هو ببساطة روائي ساخر ، فأن تكون روائيا، عليك أن تملك خيالا يفيض حيوية وخلقاً وابتكاراً. الخيال الذي يبني على معطيات الواقع، هو المعادل للإبداع. مع أن هذا لايلغي أن يكون الواقع أحياناً أكثر خيالا من الخيال.
.
ولقد فعل فواز حداد ، لعب لعبته الذكية، ورطنا بين الواقع والمتخيل. حين فاجأنا بحضوره الواقعي في الرواية. فكان هو ف ح ذاته.
لكن هل فاجأنا حقا؟.
يجيب بتساؤل ممائل :
« هل تظن أن الرواية على تضاد مع الواقع ، لو كانت كذلك لما كانت الحياة »
“ ماذا إذا كان هذا كله من افتراض فواز حداد الغائب عن المكان وهو الحاضر الوحيد “
هل سخر منا فواز حداد، أم كان يسخر من نفسه ، أم من الواقع المر كله .
هل كان كل هذا الرعب والألم متخيلاً؟
أعترف أنني قد تنفست الصعداء حين انتهيت من الرواية .
لكن فواز حداد لا ينفك يناور، لاينفك يدور بنا في دوامة التناقض المضني بين الواقع والخيال، لا يريد أن يهبنا نعمة الراحة، يورطنا بالشك،و يختم روايته بهذه الجملة المحيرّة:
“إذا كنت تعتقد أنك متوهما ، فهل كل هذا الدمار والموت كان متخيلا”
شادية الأتاسي