في محراب الشعر وبهائه

Picture of د. عائشة الخضر
د. عائشة الخضر

في الشعر بهاء وضياء…
من يكتب من أعماق قلبه وفكره، بعد الإبحار العميق في بحر القراءة المتنوعة لكل الأجناس الأدبية، أكيد أن كتاباته ستكون عميقة ودالة وقوية ومتجددة.
يلخص لنا مصطفى لطفي المنفلوطي جمالية الكتابة الشعرية قائلا: (وكأنما كنت أرى أن جمال العالم كله في الشعر).
لكن (الكتابة شعرا) صعبة وتتطلب مهارات فنية ولغوية ومعرفية، الشيء الذي دفع فان خوخ الى القول بحكمة: (الشِّعرُ يحيط بنا في كل مكان، لكن للأسف وضعه على الورق ليس بسهولة النظر إليه).
1 في أهمية الشعر
الشعر فن الكتابة …
الشعر نقيض التصنع، والشعر بدون ابداع لا قيمة له…
صحيح ما قاله موليير: (كل ما ليس نثرا هو شعر، وكل ما ليس شعرا هو نثر).
فلنكتب الشعر بطعم الشعر لأن الشعر كما يقول ابن وهب الكاتب: (واعلم أن الشعر أبلغ البلاغة).
ان الشعر ايجاز للغة وللبلاغة وللمواقف والمبادئ والابداع، وهذا ابن الأثير يلخص لنا الشعر والنثر معا، فيقول: (يتصف الشعر بالإيجاز والنثر بالإطالة).
ان متعة كتابة الشعر لا توازيها الا متعة الحياة، وقد قال صامويل جونسون: (الشعر هو فن جمع المتعة بالحقيقة.)
الشعر وطن من لا وطن له ….
الشعر وطن الفقراء والمهمشين والمناضلين والمثقفين والبسطاء، وفي الشعر هناك حق السكن والاستمتاع بالقوافي والأبيات الشعرية والقصيدة بشتى أنواعها، لهذا يقول أدونيس: (الإقامة أينما كنا مؤقتة غير أنها دائمة في الشعر.)
2 في قوة الكتابة شعرا
ها هو أبو فراس الحمداني في الأسر ينشد شعرا مليئا بالحكمة والقوة، وهو في عز الأسر والسجن، فيقول:
(أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى ولا فَرَسي مُهرٌ ولا رَبُّهُ غُمْرُ
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ فليْسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ ولا بَحْرُ
وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى؟ فقلتُ: هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ
ولكنّني أَمْضي لِما لا يَعيبُني وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهما الأَسْر)
وها هو محمود درويش يعطينا تعريفا جميلا للشعر، فيقول: ( إِنَّني لا أعرف ما هو الشِّعر. وَلٰكِنَّني بقدر ما أجهل هٰذِهِ الماهيَّة أعرف تمام المعرفة ما ليس شعرًا. ما ليس شعرًا، بالنِّسبة لي، هو ما لا يغيِّرني؛ ما لا يأخذ مِنِّي شيئًا ولا يعطيني لوعة أو فرحًا؛ هو ما لا يقدِّم لي أحد مبرِّرات وجودي وإقامتي على هٰذِهِ الأرض؛ هو ما لا يبرهن لي جدواي وقدرتي على الخلق؛ هو ما لا يقدِّم لي الوجود في كأس ماء ينكسر. في اختصار: إِنَّ إدراكي لِـما ليس شعرًا هو طريقتي في الاقتراب من إدراك الشِّعْر، لِأَنَّنا بالواضح نفسِّر الغامض، وليس العكس «.
مجلة الكرمل
ربيع 1982
عدد 6
ان قوة الكتابة الشعرية هي أن تكتب عن اقناع واقتناع، هي أن تحول حمولتك المعرفية الى كتابة شعرية، فلا مجال للعبث أو الارتجال في الشعر، ولهذا قال نزار قباني: (ليس هناك مجانية أو عبثية في الشعر.)
ان الشعر موقف من الحياة وفي الحياة، فمن لا قضية له لا شعر له، ولهذا كلما كثر الشعراء الا وقل الشعر، والماغوط يقول: (أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقفٌ من الحياة، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا.)
الشاعر يختلف عن الناس العاديين في تحويل أحاسيسه ومواقفه الى شعر لا يستطيع الانسان العادي كتابته أو التعبير عنه شعرا، وفي هذا الصدد يكتب نزار قباني: (الشعر هو أن تأتي بغير المتوقع).
الشاعر الحقيقي لا ينتظر (لايكات) أو عبارات المجاملة أو الاعجاب، لأنه يكتب للتاريخ ويعبر عن آمال وأحلام الناس، لأنه كما يقول جان كوكتو: (الشاعر لا يطلب الإعجاب أبدا، بل يود أي يصدقه الآخرين).
3 في تضحية الشعراء
الشاعر الحقيقي ينسى نفسه، يضحي من أجل الآخرين، فهو كما يقول جبران خليل جبران: (نحن أبناء الكآبة. نحن الأنبياء والشعراء والموسيقيون).
الشاعر بركان وجع وألم، تسكنه الأحزان، يتأثر بكل شيء ويحول لواعجه الى شعر جميل، كما يقول فيدريكو غارسيا لوركا: (آه يا لها من أحزان عميقةٍ ‏لا يمكن تجنبها.. ‏تلك الأصوات المتوجعة ‏التي يغنيها الشعراء.)
الشاعر انساني حتى النخاع، ويحمل كاميرا مخفية يلتقط بها الإشارات، وهو كما يقول واسيني الأعرج: (في مدننا شيء من السحر والغواية لا يعرفهما إلا الشعراء والسكاري والمجانين).
الشعراء في الوجود موجودون، في الفكر حاضرون، وفي الشعر شعراء متميزون، وذات بوح وتنظير فلسفي كتب غاستون باشلار: (الشعراء يتحدثون على عتبة الوجود).
في ضعف الشاعر قوة، وفي عشقه قصيدة، وهو كما قال أفلاطون: (في لمسة الحب الجميع يصبح من الشعراء).
4 في أحلام الشعراء
الشاعر حالم…
الشاعر هائم…
الشاعر بالخيال وفي الخيال شاعر، وهو كما كتب باشلار: (أن نقرأ الشعر يعني أساساً أن نمارس أحلام اليقظة.)
الشاعر في حلمه يكتب قصيدته، وفي صحوه يكتب قصيدة…
والشعر غابة أحلام لذيذة، ولهذا تساءل بابلو نيرودا: (ما هو الشعر إن لم يساعد على الأحلام؟)
يرسم الشاعر أحلامه كتابة ويحول كتاباته الى ملحمة وجودية، ويكون الشعر رسما بهيا كما يقول بلوتارخ: (الرسم شعر صامت، والشعر رسم متكلم).
ها هو محمود درويش يعيش حلم امبراطورية الشعر، فيبوح قائلا: (أًمشي بين أبيات هوميروس والمتنبي وشكسبير.. أَمشي وأَتعثر كنادلِ مُتدرّب في حفلة ملكية).
ان أحلام الشاعر حقيقية، لأنها جاءت عن حكم وتجارب الشاعر، ولهذا يؤكد أحمد شوقي: (لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة، و لا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر.)
في بهاء خاتمة الشعر
الشعر ديننا ونبراسنا، به نحيا من أجل الكلمة الصادقة والحارقة ونومن بما كتبه جورج صاند: (من يُشعِرُه الشِعر بسرور نبيل يعتبر شاعراً حقيقياً ولو لم يكتب بيتا واحدا طوال حياته).
ان المجتمعات المتحضرة تعتبر الشعر اكسير حياتها وتعتبر تحضرها وتقدمها نتيجة حتمية لوجود الشعراء فيها، وهناك مقولة تلخص كل شيء لشوفاليه دو بوفور: (كما يحتاج الليل إلى نجوم كذلك يحتاج المجتمع إلى شعراء).
وأجمل ما نختم به، هو مخاطبة شعراء العالم ببيت شعري شهير لقراد الطائي، يقول فيه: (فإنْ يَكُ صَدرُ هذا اليَومِ ولَّى فإنَّ غّداً لناظِرهِ قّريبُ).
وكل شعر بطعم البهاء وأنتم بألف سحر وفكر.
مجدالدين سعودي. المغرب

شارك المنشور:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest