أبو العلاء المعري في ” تبريز “

قد يبدو هذا العنوان غريبا ، فمن المعروف أن أقصى مكان وصله المعري مدينة بغداد عاصمة الدنيا في عصره .
ولكنني اصطحبت ابا العلاء إلى مدينة تبريز في إيران من خلال محاضرة ألقيتها
بعنوان ” بين المعري والخطيب التبريزي ” … ولهذا الموصوع قصة طريفة :
1 – في مطلع عام 2009 تلقيت دعوة من جامعة تبريز للمشاركة في ندوة دولية حول العالم العربي الجليل ” الخطيب التبريزي ” بمناسبة مرور 900 سنة على وفاته 1109 . وقد رحبت بالدعوة وأعددت بحثا من 25 صفحة لهذه الندوة .
وصلنا تبريز بعد رحلة طيران : حلب – دمشق – طهران – تبريز .
تقع مدينة تبريز في اقصى الشمال الغربي من ايران ، وهي مركز “محافظة اذربيجان الشرقية ” ، وغالبية سكانها من اصول أذرية يتحدثون التركية بلهجتهم المحلية ، ولكن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية. وتبريز هي المدينة الثالثة في ايران من حيث عدد السكان بعد طهران ومشهد . وبالمعيار التاريخي والحضاري تأتي مدينة أصفهان في المقام الأول.
2 – استقبلنا الدكتور ” محمد بور ” رئيس جامعة تبريز في مكتبه ، وهو انسان رائع في لطفه ودماثته وثقافته . قلت له : إنني بحثت عن كلمة ” تبريز ” في معجم البلدان لياقوت الحموي . ويذكر ياقوت ان تبريز تمتاز بانهارها ،وبالمشمش الفاخر المسمى بالموصول ، وبالعيون الجميلة لنسائها .
وابتسم الدكتور ” بور ” وقال لي : اما الانهار فقد جفت او تقلصت بعوامل الزمن والبيئة ، واما المشمش الموصول فليس هذا موسمه ، واما عيون النساء الجميلة فيمكنكم التجول في الشوارع والاسواق ومشاهدتها .
3 – الخطيب التبريزي الذي كان محور الندوة هو ابو زكريا يحيى بن علي الشيباني 421 _ 502 للهجرة . الموافق 1030 _ 1109 للميلاد . وكان بنو شيبان مع قبيلة الأزد العربية قد استوطنوا تبريز ايام المتوكل العباسي .
تعلم يحيى في تبريز وتنقل بين معرة النعمان وصور ومصر ، ثم انتهى به المطاف في بغداد استاذا في الجامعة النظامية وامينا لخزانة الكتب فيها حتى وفاته .
4 – قصد الخطيب التبريزي معرة النعمان لكي يتابع دراسته لدى شيخها العظيم ابي العلاء . وبقي فيها اكثر من سنتين . وحين وصوله اعطى المعري صرة فيها قطغ من الذهب نفقة لإقامته في المعرة ، وحينما نوى المغادرة اعاد اليه المعري صرّته وقال له : لقد كنت ضيفا عندي .
يقول الخطيب التبريزي عن استاذه المعري :
– تتلمذت على عشرات الاساتذة ولكن افضلهم عندي ابو العلاء . وكان المعري يعتبرني افضل تلاميذه وهم مئات .
– كان لدى ابي العلاء بعض الشك ولكن معتقده سليم .
– كان المعري محيطا باللغة العربية وعلومها.
– كانت ثقافة المعري موسوعية .
– كان المعري يكره التكرار . وكانت ذاكرته تفوق كل من سواه من البشر .
– شروح المعري لشعر سابقيه افضل من كل الشروح ، وبخاصة شرحه لأبي تمام والبحتري والمتنبي.
– افضل شروحي كان شرحي لديوان ” سقط الزند ” للمعري .
5 – ترك الخطيب التبريزي مؤلفات في محورين :
الاول في شروحه : حماسة ابي تمام وديوانه . ديوان المتنبي .سقط الزند للمعري . المعلقات العشر . المفضليات . لامية الشنفرى . قصيدة بانت سعاد . مقصورة ابن دريد .
والثاني في المجال اللغوي ، واهمها : اصلاح المنطق . اعراب القرإن . تهذيب الالفاظ . اللمع لابن جني . العروض والقوافي
6 – في نهاية الندوة ذهبنا لوداع رئيس الجامعة الدكتور محمد بور . وقد سألني : هل تجولت في تبريز ورايت ماذكره ياقوت الحموي ؛ فأجبته : نعم .. هو كما ذكر ياقوت وما أشرت اليه انت .
قدم لي الدكتور بور علبة فيها مشمش تبريز المجفف ، وقال : هذا المشمش الموصول في غير موسمه .
7 – الصورة المرفقة في مكتب رئيس الجامعة الدكتور محمد بور وانا اقدم اليه درع مدينة حلب تقديرا وتكريما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top