دائِماً ماتُبدي لنا الأفلامُ والروايات أنّ للكاتب والشاعر أوِ الأديبِ كنعتٍ لهما إذا ما اجتمعا في شخصٍ واحد، لهُ طقوسٌ وأجواءٌ خاصّةٌ به، من سهرِ ليلٍ واقتناءِ مصباحٍ خافتِ الضوء أعلى من الرأس قليلاً على الطاولة، وإدمانِ سجائِرَ أو قعقعةِ المُدَام، وانعدامِ التفكير ، والساعاتُ الطوال بلا فائدة، ليخرج في النهاية بعد أيامٍ أو شهور، بتحفةٍ فنية، أو أعجوبةٍ مُدهشة، كل هذا وماشابهه من طقوسٍ للكاتب أو الشاعر أو الفنان.
ولطالما تساءلتُ فيما إن كان ذلك صحيحاً، وجربت ذلك فكنتُ أكبتُ كل بيتٍ يطرأُ عليّ، وأي فكرةٍ تمرُّني، وأؤخّرها حتى يحلّ الظلام الدامس وينتصف الليل لأشَغِّلَ (الإتريك) مصباح يدوي،
إذ لم يتوفر في بلدي أثناء صغري تلك المصابيح الخاصة بالأدباء والفنانين كما تقول الأفلام والروايات ، وأحضرَ جبالاً من الورقِ أضعها بقربي، وأجمع أقلامَ جميعِ من في المنزل، وأقفل باب الغرفة، وأتركني بمفردي معي أنا فقط وصوتُ الساعةِ على الجدار يؤنسني.
لم يحدُث شيءٌ ولم أشعر إلا بالجن-والعياذ بالله-يحومونَ حولي في جلساتِ إحضارِهم هذه أو كما يقولون بالعامية تحضيرهم.
لم يحدث شيءٌ له صلةٌ بالشعر أو الكتابة، ونادراً ماكان يحدث ذلك.
حتى اكتشفتُ مع الوقتِ أنّك قد تكتبُ قصيدةً حتى وأنت في الحمام أثناء قضاء حاجتك، قد تكتبها أثناء اجتماعك بالصحب والأقارب، أثناء مشيِك في الطريق، قبل النوم حتى، وأنت تأكل وأنت في مشكلةٍ عويصةٍ حتى، أينما كنت وكيفما كنت، الشعر لا يأبه لوضعك وحالك وشكلك وتوقيتك ومكانك، الشعر متى نوى أن يحضُرَ حضر.
وحضورُه راغباً بِكَ أهدى من أن تجرَّهُ مُرغماً إليك، كما الطفلِ تماماً !!
وإنّ ماتكتبُه بِه أزكى مما تكتبه بدونِهِ بعيداً عنه، فإنَّ للشِّعرَ رُوحاً ورَوحاً يجهلها أغلبُنا.
فيأتي نظمُكَ هزيلاً مصفرّاً؛ وذلك لأنَّك استعجلتَهُ واستخففتَ به، حتى وإنِ انتقيتَ له أزهى الكلمات، وأبهى المفردات، وأدخلتَ الأساليب والتراكيب.
حتى إذا ما تأدَّبتَ معه، وجدتَ نظَمَك زاهٍ مُتابهٍ تسري فيه الحياة، فيخلُدُ إذا مافنِيت، ويبقى ينظِمُك أمام الأعينِ المندهشة المُنكرِةِ ذلك الجمالَ بيتاً بَيت.