الإِعلام وقت الأزمات بين الوعي المهنيّ و حرب الكلمات !

الكورونا أُنموذجًا
وجدت الصَّحافة ما وُجد الإنسان ، فالتَّغطية الإعلاميَّة وجدت منذ القدم ،
في عهد القبيلة ، حين كان أفرادها يُعيِّنون حارسًا يأتي بأنباءِ ما قد يُهمُّ أفرادها ، يشدُّ هممهم و يُرسي دعائمَ المبادئِ فيهم و يُنبِّئهم بالمخاطر المحدِّقةِ بهم ،
و ليست النُّقوش الحجريَّة في مصر و الصِّين و عند العرب الجاهليِّين إلا ضربًا من ضُرُوبِ الصَّحافة ، و يقال أنَّ الصَّحافة كانت بدايةً بصيغةِ الأوامر حين كانت تُرسلُ الرُّسُلُ إلى مُختلف الأقاليم لتُعلن ما تحويهِ رسائلهم للمُناداةِ بها و بما جاءَ فيها . تعدُّ التَّغطيات الإعلاميَّة الرُّوتينيَّة وقت الأزمة أمرًا غير مناسبًا في ظلِّ المتغيِّرات العالميَّة من حيث دقَّة معايير القصَّة الإخباريَّة تناسبًا و تعدُّد سبل الحصول على المعلومة في الوسائط الإجتماعيَّة .
إنَّ وعيَ الصَّحافة المهنيِّ بقدرتها على التَّحول الدِّيمقراطيَّ للدُّول و الهيئات ، و تغيير عاداتِ إستهلاكِ الأفكار و الايديولوجيَّات للأفراد و المنظَّمات يزيد من فاعليَّة خطَّة عملها و تأثيرها على الرَّأي العام و مواقف الجماهير . كما جاء على لسان الباحث ليبمان أننا نعتمد على وسائل الإعلام لإستكشافِ العالمِ من حولنا و بناء واقعنا ” تهدفُ الصَّحافة إلى إثارةِ المواضيعِ الهامَّة و تضع يدها على مواطن الخلل لمعالجتها ،
إلَّا أنَّ المنافسة القويَّة بين وسائل الإعلام في جذب الأخبار المُثيرة التي تتمركز عادةً حول السلبيَّة منها يرسمُ ذلك حول المشاهد هالةً من النُّفور و اللاَّمبالاة . حيث أنَّ تغطية الأزمات وجب أن يتبعها توعيةً بالإيجابيَّات لكل مرحلة من مراحل الأزمة . يكمنُ دور الإعلامِ أثناء الأزمة في حنكته و مدى إلتزامه بمصلحة المواطن و توعيتهِ بمخاطر الأزمة و تقصِّيه لتبعاتها . إنَّ تعدُّدَ الشَّائعات و الأخبار المغلوطة الكاذبة لتمويهِ الرَّأي العام و تشويش ذهن المواطن يزيد من وطأة المرحلة فتحيدُ بذلك الصَّحافة الإيجابية عن هدفها في تبصير المواطن .
يُعتبر تصميم خطَّة إعلاميَّة توعويَّة تنويريَّة حتميّة لا مفرَّ منها لمجابهة الأزمة سعيًا لحلِّها و حؤولا دون تفاقمها من خلال زيادة حسِّ المسؤوليَّة الجماعيَّة و بثّ روح التَّكامل و التَّعاون بين أفراد المجتمع . تفرضُ الازمة على الصَّحافة البنَّاءة وجوبًا وضع خطَّة عمل متقنة لمعالجتها قبل إنفجارها ، أثناء حدوثها ،
و كذا تتبُّع نتائج مرحلة ما بعد الأزمة . فمن حيث ما قبل الأزمة وجب البحث في أسبابها بطريقة تحليليَّة و تفسيريَّة و إلقاء الضَّوء على الأبعاد المختلفة لها و الإتِّفاق على مصطلحات خاصة بها في جميع وسائل الإعلام . و من حيث التَّزامن و حدوث الأزمة وجب المواكبة للحدث بالمتابعة المستمرَّة لمواقف الأطراف المعنيَّة بالأزمة و تحضيرها للنَّتائج المترقَّبة منها دون تهويل أو تهوين . تقومُ الصَّحافة البنَّاءة بإدارة الأزمة من خلال إعدادِ الرَّأي العامّ لتقبُّل نتائجها المختلفة .
إنَّ مرحلة ما بعد الأزمة لا تنفي العُدُول دون التَّغطية الإعلاميَّة لهاته الأخيرة و ترك الفراغ و إنَّما تخفيفها و ذكر الدُّرُوس و العبر المستخلصة منها للخروج من الأزمة بأقصى إستفادة ممكنة .
يَعمدُ التَّقييم الشَّامل لحيثيَّات الأزمة و طرق إدارتها من الحكومة و السُّلطات المعنيَّة و وسائل الإعلام كفاعل لا يستهانُ به و بنجاعته في مجابهة الأزمة ، من طرف المختصِّين و الخبراء إلى إستخلاص العبرة من الأزمة و التزوُّد بخبرة تضافُ إلى الخبرات المجتمعيَّة الأخرى .
إنَّ معالجة الأزمة من طرف وسائل الإعلام يمكنُ أن تشهد ممارساتٍ خاطئة و حربًا بالكلمات ! فعوضَ أن تُسهم في هاتهِ الحالة في التَّسريع بحلِّ الأزمة والحدِّ من خطرها تزيد من تفاقمها و تعقيدها و من ثمَّة تراكمها . فالتَّركيز على الجزئيَّة السلبيَّة من الأزمة و توسيع نطاقها
و كذا سياسة المُبالغة و التَّهويل و كذا إتِّباع سياسة الحجر الإعلامي على الرَّأي المخالف و كذا التَّبعيَّة لسلطة أو هيئة معينة دون السَّعي إلى الإستقلاليَّة بالرَّأي من شأنها تمديدُ فترة الأزمةِ و تُفاقم تداعياتها .
صحافة حرة مستقلة هي صحافة مسؤولة مجتمعيا مهنيا و إنسانيا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top