حين التقيته لأول مرة وتحدثنا ،
لمست في حديثة سعة ثقافته ولباقته في التعقيب والرد ،لم اكن مثفقا معه في كل ما قال بل كانت افكارنا متباعدة الى حد كبير ،كانت رؤيته واضحة ،وطريقة شرحها مترابطة ومنسجمة، الشيء الذي جعلني اصغي له وانا احلل في نفسي ما يقول .كان هذا اللقاء صدفة، حيث كان كل منا يجلس وحيدا يرتشف قهوته ،
ويسبح في فضاءات الانترنيت ،وامامنا شاشات التلفاز التي كانت تعرض حوارا مع احد المبدعين الذين لا نعرف عنه شيئا ،ولم يسبق لنا ان سمعنا به بالرغم من أنه ابن البلد بل و من مدينتنا …
أخذ مقدم البرنامج يعرض محطات من حياة هذا المبدع ، وتظهر بين الفينة والاخرى على الشاشة مؤلفاته ،وما اصدره من دواوين وكتب في النقد ،الشيء الذي اثار انتباهنا،
وجعلنا نتوجه باعيننا الى الشاشة نتابع الحوار ، قبل نهاية البرنامج التمس المنشط من الشاعر ضيف الحلقة ان يختار قصيدة من ديوانه الجديد ليلقيها على مسامع المشاهدين…
أخذ الشاعر الديوان بين يديه ، قلب صفحاته ، قرا العنوان ،ثم بدا في القاء القصيدة المختارة،وما ان تلى الاسطر الأولى حتى التفت اتجاهي الرجل ،ونظر الي مليا ،وكانه يقرأ انطباعي حول ما سمعناه من الشاعر،والواقع ان هذا النوع من الشعر الذي سمعته لا يروقني ولم تحرك القصيدة التي سمعتها في نفسي اي احساس بالجمال،هذا ما فطن اليه الرجل الذي يجلس على مقربة مني ، ابتسم في وجهي ابتسامة عريضة وسالني…
-قصيدة رائعة …اليس كذلك يا استاذ؟
فاجاني بالسؤال فكان جوابي عفويا
-في الواقع يا اخي الكريم …انا لم افهم شيئا …
ضحك الرجل وقال
-هذا النوع من الشعر جماليته في غموض مضامينه ،وانفتاح النص على قراءات متعددة،
اخذ الرجل يشرح لي مفهوم الشعر و مميزات قصيدة النثر ورغم أني أعلم قدرا من هذه الأمور ، لم اقاطعه ،كنت أتابع شرحه وكأني في محاضرة امام استاذ متمكن …ما قاله كان مفيدا ومرتبا وواضحا …
شكرته كثيرا لكن لمست انه اعتبر هذا الشكر مجرد طريقة للتخلص منه وعدم الرغبة في الحوارفبادرني قائلا
-يا استاذ اريد رايك في الموضوع …قالها مبتسما…
احرجني الرجل وجعلني في موقف كنت اتفاداه لان رؤيتنا لهذا النوع من الشعر مختلفة تماما …فاجبته
-يا استاذ اظن ان القصيدة متعة، وان المتعة تستوجب الوضوح كي يصل الخطاب بسرعة ،ولااظن ان هذا النوع الذي سمعة اليوم يناسب ذوقي …انه مسالة ذوق واختيار فقط وليست مسالة رفض
نظر الي الرجل مليا ، وقال وهو ينهض من مكانه …
-لست متفقا معك في هذا الطرح الذي يبسط الامور …التعقيد ضروري للشعر …
رشفت ما تبقى في فنجان القهوة والسؤال العريض يتردد في راسي
-هل يستوي التعقيد والغموض مع المتعة وتذوق الجمال في الشعر…
**********محمد بوعمران/مراكش*********