الخان لفظة فارسية الأصل، أطلقت على المنازل التي يسكنها التجار، وتعني كذلك مخزن البضائع أو الحانوت والمتجر أو الفندق. كان الخان مكان ينزل فيه
التجار والمسافرون طلبا للراحة والأمن ولقضاء الأعمال التجارية. والخانات نوعان: الأول يقام على الطرق التجارية خارج المدن؛ والثاني يقام داخل المدن ويعرف بأسماء أخرى، مثل القيسارية أو دار الوكالة. أما النوع الأول فكان يبنى عادة عند نبع ماء أو مجرى نهر، ويبتعد الواحد عن الآخر مسيرة نهار أي ما يقارب 30 كم، وكان يقدم الخدمات للتجار والرحالة والمسافرين ويوفر لهم الراحة ويجنبهم مشقة السفر ومخاطره ليلاً، وكان يضم مستودعات لحفظ البضائع واصطبلات لإيواء الحيوانات بالإضافة إلى الحوض في وسط الصحن ومشرب البهائم والفرن والحمام.
اليوم حديثنا عن خان:
خان بني سعد بظاهر القدس ، الذي شكّل نواة لمحلة سكنية، نسب إليها الشيخ المعمر إبراهيم بن أحمد بن فلاح السعدي »، الذي توفي سنة 815 هـ / 1412م ، إن نسبة هذا الشيخ إلى خان بني سعد، يعني بكل وضوح أن
شكّل الخان بداية لحي سكني خارج الأسوار، والذي يعرف حالياً بحي سعد وسعيد، ويبعد مسافة قصيرة عن باب العمود باتجاه الشمال،
وقد حدّد علي سعيد خلف موقع مبنى الخان:
«مكان معمل الخزف الفلسطيني مقابل القنصلية الأمريكية العامة »،
وأكّد المؤرخ عثامنة بكتابه حقيقة نشوء محلة سكنية بجوار الخان؛ من تاريخ الحركة العمرانية بفلسطين في العهد المملوكي أيضاً عمائر الظاهر بيبرس: الخلفيات والأبعاد – خان الظاهر بالقدس للكاتب عمر موسى مشعل
خان بني سعد
وقد جاء في كتاب الخانات في فلسطين للدكتور شكري عراف :
فإذا غذوت السير وصلت إلى خان “بني سعد” سعد وسعيد وهو بظاهر القدس على بابه سبيل للمسافرين ورباط لخيولهم إنه (مكان معمل الخزف الفلسطيني الآن مقابل القنصلية الأمريكية العامة ، كان هذا الخان معداً لاستراحة قاصدي القدس من الشمال حيث يستريحون ويتهيئون لدخول القدس الشريف
مسجد سعد وسعيد
يقع المسجد في الحي المعروف باسم المسعودية والذي كانت نواته مبنى أداري عثماني في نهاية القرن التاسع عشر. ولغايات إحصائية سمي الحي باسم سعد وسعيد حيث تجمعت فيه البيوت، على مرحلتان 1870 م – 1890 م و1885 م -1918 م، ففي عام 1905 م تم إحصاء 119 عائلة مقدسية في الحي، بجانب المسجد خان اسمه سعد وسعيد فيه سبيل تم بناء المسجد عام ١٩٠٥ م في وقف المرحوم شمس الدين البلقيني. ومن الجدير ذكره أنه في الغرفة من الجهة الجنوبية الغربية يوجد مقامان(ضريحان) لسعد وسعيد ,والمسجد له وقفية حوانيت وفرن وقطعة أرض وسبيل ماء
تعرض المسجد إلى حوادث كثيرة بسبب موقعه من حدود 1948. هُجر من عام 1948- 1950م بسبب الحرب ، وقامت دائرة الأوقاف بإعادة ترميمه وحمايته من مياه الأمطار الذ
أما في المرحلة الثانية لبناء الحي والتي تنحصر ما بين 1895 – 1918 فقد لحقت بها عائلات مقدسية أخرى وأقامت أبنيتها هناك، ولقد بين الإحصاء العثماني لعام 1905 وجود 119 عائلة مقدسية ذات جنسية عثمانية (تابعية عثمانية تسكن ومقيمة) هناك، وتخلل الحي بناء بعض المعاهد والكنائس للمؤسسات المسيحية المقدسية التي آلت لها الأرض إما بالشراء أو بالهبات السلطانية العثمانية من أراضي الدولة (الأميري) المتوفرة وتم تعمير الأرض المجاورة له عام 1954، وتم هدمه عام 1956 بقذائف قوات الاحتلال، وفي عام 2011 بدأت محاولة إسرائيلية للسيطرة عليه،
ومن المعالم في حارة المسعودي:
الأرض الوقفية للشيخ أحمد شمس الدين اليملي
” هذه الأرض هي وقفية منذ 400 عام وهي تابعة لـ 15 عائلة فلسطينية، والذي أوقفها هو الشيخ أحمد شمس الدين اليملي، وهي عبارة عن 11.5 دونم
كذلك على الأراضي التابعة له فقام متولي الوقف حينها، زياد محمود قواس بالتوجه إلى المحكمة، وأظهر حجة شرعية تثبت أن وقفية الأرض عمرها 400 عام، ومسجلة في السجل العقاري (الطابو) العثماني،. و الأرض التابعة لوقفية المسجد والتي تستخدم معرضا للسيارات وجزء من الشارع المُسمى شارع رقم (1) وتم الإستلاء على جزء من الأرض وإقامة محطة للوقود.
نشأت النواة الأولى لمدينة القدس على (تل أوفيل) المطل على قرية سلوان، حيث اختير هذا الموقع لأسباب أمنية، وساعدت عين سلوان في توفير المياه للسكان، وهجرت هذه النواة إلى مكان آخر هو (جبل بزيتا) ومرتفع موريا الذي تقع عليه قبة الصخرة المشرفة. وأحيطت المدينة بالأسوار، ثم بدأت بالتقلص حتى بنى السلطان العثماني (سليمان القانوني) السور الحالي محدداً حدود القدس القديمة جغرافيا بعد أن كان سورها يمتد شمالاً حتى وصل في مرحلة من المراحل إلى منطقة المسجد المعروف (مسجد سعد وسعيد) ومن خلال الحفريات ظهرت أساسات السور الأول والذي أمتد بين ألمد والجزر مساحة وأتساعا شرقاً وغرباً)
ويتوسط حي المسعودية بين كرمي ابن داوود الأنصاري الشرقي والكرم الغربي وشمالاً يقع كرم العاجزين ,أما الكرم الشرقي يقع فيه مبنى الدومينكان وما يُسمى بستان قير المسيح عليه السلام ومحطة الوقود وشارع سان جورج ويمتد إلى منتصف شارع صلاح الدين وأما الكرم الغربي فيشمل مسجد سعد وسعيد إلى بناية السلزيان والبناية الطليانية غرباً
بيت إنضوني وإفلين برامكي
بعد الانطلاق من باب العمود باتجاه الشمال، وأثناء السّير في شارع سعد وسعيد، أو ما يعرف اليوم بشارع رقم 1، يرى الزائر على يساره بيتاً عربياً وسط بيوت عشوائية وعمارات مكتظة يسكنها المستوطنون. شرفات البيت شبه مهدمة، ونوافذه مسدودة بالبطون، وعلى واجهته لافتة دعائية لمتحف “خطّ التماس” الذي يشغل البيت حالياً
متحف على خطّ التماس هو متحف اجتماعي للفنون الآنية يقع في القدس. يعرض المتحف الفنّ كلغة بلا حدود لطرح مسائل اجتماعية مختلَف عليها للنقاش الجماهيري. في مركز المعارض المتغيّرة في المتحف تقف خطوط تماس قومية وطبقية وعِرقية ودينية في السياق المحلّي والعالَمي.
في هذه الأيّام يعرض المتحف المعارض التالية:
هزّة إنسانية: معرض هدفه هزّ هزّة الهوية أمام القلق والخوف، وكشف وتأكيد عملية مواجهتنا الحسّية مع بيئتنا، وكذلك اختبار ردود فعلنا، من خلال منظور الخوف، كضارّين بغيرنا وكمتضرّرين- كلّ ذلك بهدف محاولة إدراك دينامكية العلاقات الاجتماعية والسياسية والتأثير عليها, أنشأ المتحف كمبادرة مشتركة من قبل جورج فون هولتزبرينك ورئيس بلدية القدس آنذاك تيدي كوليك. منذ افتتاحه في عام 1983، عرض المتحف معارض حول توحيد المدينة، معارض تفاعلية حول التسامح، التفاهم، التعايش، وفنون معاصرة. واجهة المبنى لا تزال تحافظ على ندوب المعركة لعل ذلك نوع من ممارسات الاحتلال له غايات وأهداف ماخُفي أعظم
بنى هذا البيت المعماري الفلسطيني إنضوني برامكي عام 1932 وأهداه إلى زوجته إفلين. وفي العام 1948، وبعد احتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية ومن ضمنها غربي القدس، سقط البيت بيد العصابات الصهيونية، فيما ترحّلت العائلة إلى رام الله
كان شارع “سعد وسعيد” يشكّل الحدّ الفاصل بين دولة الاحتلال الجديدة وشرقي القدس التي أصبحت منذ ذلك الحين تحت الحكم الأردني. ولذلك استخدم جيش الاحتلال البيت المذكور كنقطة عسكرية للمراقبة، وبالقرب منه كانت تقع “بوابة مند لبوم” وهي نقطة العبور الوحيدة بين شرقي المدينة وغربها بين العامين 1948 و1967 كان برامكي يعتلي سطح مبنى “جمعية الشبان المسيحية” الواقع مقابل بيته في الشطر الشرقي من المدينة ليراقب ما حلّ ببيته. وبعد حرب العام 1967 وتمدّد الاحتلال، حاول برامكي استعادة بيته لكنه اصطدم بقانون “أملاك الغائبين” الذي سنته سلطات الاحتلال عام 1950، ويعتبر أن مَن كان “غائباً” عن المدينة تصادَر أملاكه لحساب “الدولة
مصنع الخزف في القدس: مئة عام من الفنّ والعزّة
يعود إبراز الهوية الأرمينية لفن السيراميك الفلسطيني في القدس منذ عقود. ورغم أصولها الأرمينية تعتبر عائلة باليان ذاتها فلسطينية في تعريفات أبنائها وبهوية مصنع الخزف والفخار الذي تديره منذ قرن في شارع نابلس اليوم لا يعتبر ورشة اقتصادية أو مصدرا للرزق فحسب فقد اهتموا بموضوع بناء متحف إلى جانبه يحتوي على منتجات تراثية فنية يعود تاريخ إنتاج بعضها للعقد الثاني من القرن العشرين. و«الخزف الفلسطيني» مصنع ومتجر لبيع الخزفيات اليدوية الأصيلة، تديره عائلة بليان، وتفوح منه رائحة تاريخ القدس العتيقة… نوافذه الخارجية محاطة بالسيراميك ومع مرور السنوات والعقود تبقى شاهدة على عراقة زهرة المدائن الفلسطينية
وأصل الحكاية يعود للعام 1919 حينما هاجرت إلى فلسطين ثلاث عائلات من أرمينيا هي باليان، وكراكشيان وأوهينسيان، وبادر المندوب السامي البريطاني الأول ستورز إلى توكيلها بترميم السيراميك الذي يغلف بعض جدران المسجد الأقصى وقبة الصخرة. قبل ذلك لم تشهد فلسطين هذا النمط الفني سوى أنواع من بناء البلاط والأدوات الفخارية غير المزخرفة. هذه العائلات الأرمينية قدمت من مدينة كوتاهية المشهورة بصناعة السيراميك. وبعد الانتهاء من ترميم الحرم القدسي الشريف بالسيراميك أسست عائلتا باليان وكراكشيان مصنع الخزف الفلسطيني في مدينة القدس وربما هو اليوم أعرق مؤسسة فلسطينية.
كان يلقب بـ «الأسطة
وانفصلت طريق العائلتين في 1964 وبقيت باليان وحيدة في المصنع بعدما بادرت كاراكشيان لبناء مصنع الفخار المقدسي في البلدة القديمة. في المصنع استقبلنا مديره ومهندسه نيشان باليان وقد سمي باسم جده الملقب بالتركية بـ «الأسطة» أي المعلم بفضل مهاراته وحرفيته في مجال السيراميك. نيشان الحفيد ورث حرفية إنتاج السيراميك من والده ستراك باليان ووالدته ماري وهي رسامة أرمينية ـ فرنسية، وعن علاقاتهما يقول مبتسما «كان والدي قد سافر لبريطانيا لدراسة الفنون وفي الطريق وتحديدا في مدينة ليون الفرنسية تعرف على أمي، ولم أكن وحدي ثمرة زواجهما إذ نجم عن اللقاء تعاون فني مثمر وغني بعدما تركت بصماتها الفنية على منتجات المصنع».
وحول الطراز الفني الخاص بهم يقول بليان إن الخزف التركي الإسلامي كان يتمحور حول الأشكال الهندسية فائقة الدقة والنباتات، في حين مال الخزف الفلسطيني لاستخدام البيئة المحيطة بكل عناصرها وخاصة الحيوانات. لافتا أن ذلك يظهر جليا في الأرضيات السيراميكية التي اشتهرت بها المنازل الفلسطينية القديمة، ليس فقط في القدس، بل في عموم فلسطين. وفعلا ينتشر هذا النمط من الأرضيات والسقفيات في مدن شمال فلسطين وحتى اليوم يمكن مشاهدته في عشرات البيوت التاريخية في مدينة البشارة، الناصرة حيث القصور الجميلة في البلدة القديمة ما تزال كالمتاحف الفنية بحد ذاتها منذ شيدت في العهد العثماني.
ويتابع «نحن صامدون بسيراميك منذ العام 1922، رغم ما عانته القدس من ظروف صعبة منذ نكبة 1948 لم نبرحها ونعود إلى أرمينيا، أو نرحل إلى الولايات المتحدة أو أوروبا كما فعل غيرنا… آثرنا البقاء في هذا المكان، والاستمرار في صناعة الخزف الفلسطيني حتى اليوم».
يشير بليان إلى أن للخزف الفلسطيني رونقه وهناك من يقدر ذلك، ولا يأبه بالسعر في مقابل الحصول على قطعة فنية مجبولة بالعرق، غير مصنعة آليا، مبينا أن المتجر «مزار للعديد من السياح الأجانب، وهم يفضلون صناعتنا، بعضهم يأتي بعد أعوام ليبتاع المزيد من القطع وآخرون ينصحون أقاربهم وأصدقاءهم من زائري القدس بزيارتنا، والحصول على قطع فنية كتذكار فلسطيني من المدينة المقدسة، في حين يكتفي بعضهم بزيارة موقعنا الإلكتروني، ليشعر بالتواصل مع عبق التاريخ وعراقته في القدس»
وفي رأي الباحثين في التراث يعود تاريخ صناعة الخزف في فلسطين إلى فترة لا تقل عن 400 عام حيث كان الأتراك هم أول من أدخل هذه الصناعة إلى فلسطين من خلال عمليات ترميم المسجد الأقصى في القدس الشريف. وكان مصنع الخزف الفلسطيني أول مصنع للخزف يقام في القدس عام1922 / عن القدس العربي
ومن خلال سجلات المحكمة الشرعية تعود وقفية الخان ومدرسة المطران لعائلة ألخالدي المقدسية
ومن المعالم أيضاً:
مدرسة المطران هي مدرسة مسيحية للذكور تقع في القدس الشرقية وتُدار بواسطة أسقف الكنيسة الإنجيلية وتقع بالقرب من كلية سانت جورج خارج أسوار المدينة القديمة تأسست المدرسة سنة 1899
من مشارف مدخل مبنى المدرسة الأمريكية، يمكن ملاحظة برج حجري كبير على بعد عشرات الأمتار باتجاه الشمال. انه برج كائد رائية القديس جورج المحطة التالية في مسار الموزايك. لذا يجب السير باتجاه الشمال حتى نهاية شارع صلاح الدين وبداية طريق نابلس، وبعد مشاهدة البرج من بين الأشجار وتأمل عمارته العالية وأركانه المخروطية الأربعة ، يجب الانعطاف يسارا، أي جنوبا في طريق نابلس، وبعد عدة أمتار، وفي جانب الطريق الشرقي يشاهد مدخل ذو عقد مدبب، انه مدخل مجمع كاتدرائية القديس جورج او ما يعرف فلسطينيا بمدرسة وكنيسة المطران. والواقع ان هذا مجمع كبير يتكون من مركز ضيافة، وكنيسة، وبرج، وملحقات رياضية، ومدرسة كبيرة، ومرافق اخرى. وما يهم هنا هو عمارة المدخل والكنيسة منذ اللحظة الأولى بعد عبور المدخل، سيدرك الزائر، انه يشاهد عمارة قوطية أوروبية حديثة تنتمي إلى أوروبا والى القرن التاسع عشر، ولمن لديه المعرفة، سيحسب نفسه للحظات انه في اوكسفورد أو إحدى المباني الإنجيلية الانكليزية، فتصميم البرج والساحة وما يحيط بها يوحي وكأنها جلبت من إحدى كنائس الريف البريطاني وزرعت هنا
وسيجد نفسه بعد عبور مدخل يعلوه عقد ثلاثي الطبقات، في وسط ساحة مربعة مكشوفة محاطة بأروقة من ثلاث جهات، لها شبابيك مزخرفة، وفي وسط الساحة عمود اسطواني، يستند على قاعدة، ويعلوه تاج عمود كورنثي الطراز، يحمل كرة حجرية يعلوها صليب معدني. ويلاحظ ثقل العمارة وتكتلها في الدعامات التي تسند الجدران، وفي طبقات العقود المتعددة وفي الأعمدة المزدوجة التي تحمل العقود، وفي الشرفات أعلى المبنى، وفي برج جرس الكنيسة الفخم
نبحث في هذا المقال عن ذكريات القدس وحكاياتها مع ذلك التقسيم، وتحديداً مع “بوابة مند لبوم”، التي شكّلت “معبراً” في منطقة القدس بين الدولة الناشئة “إسرائيل”، وبين أراضي الضفة الغربية تحت الحكم الأردني. تجذّرت وتجسّدت هذه الذكريات في عدة أماكن من المدينة، وبشكلٍ خاصٍّ في موقع “بوابة مند لبوم”، أو في “حي سعد وسعيد” الذي يقع شمال البلدة القديمة للقدس، بين حيّ الشيخ جراح وحيّ المصرارة. ما هي بوابة “مند لبوم”؟ ولماذا اشتهرت المنطقة بهذا الاسم؟ ولماذا لا يوجد شيءٌ ملموسٌ اسمُه “مند لبوم” في الزمن الحاضر؟ وكيف تجسدت حكاية مند لبوم خلال الزمن الحاضر؟ هذه تساؤلاتٌ يحاول هذا المقال الإجابة عليها.
خطٌّ أخضر وآخرُ أحمر، هكذا بدأت حكاية تقسيم مدينة القدس، مع رجلين وقلمين هما موشيه ديان القائد العسكري الصهيوني لمنطقة القدس، والذي كان صاحب القلم ذي اللون الأخضر. أما الرجل الثاني فهو القائد الأردني عبد الله التل صاحب القلم ذي اللون الأحمر. رَسَمَ كلٌّ منهما خطَّ الهدنة بلون قلمه على خارطةٍ لمدينة القدس، والذي من بعدهما تكرّس على أرض الواقع بتقسيم المدينة إلى شطرين: الشّطر الغربيّ الذي استولت عليه دولة الاحتلال خلال حرب عام 1948، والذي يشمل أغلبَ أحياء وقرى غرب القدس. الشّطر الشّرقيّ الذي وقع تحت حكم الأردن، والذي اُحتفظ بموجبه بالبلدة القديمة من القدس وباقي الأحياء والقرى الفلسطينية. ثُبِّتَ هذا الرسم ضمن اتفاقية رودوس 1949؛ هذه الاتفاقية “المؤقتة” التي أصبحت مع مرور الوقت مرجعيةً للعديد من القرارات الأممية والمباحثات السياسية التي كرّست تقسيم القدس.
وهكذا، ظهر اسم “مند لبوم” لأول مرة بعد اتفاقية رودوس كمصطلحٍ يرمز إلى تقسيم المدينة عام 1949، فقد كان اسم البوابة “المعبر” الفاصلة بين غربي القدس وشرقها “بوابة مند لبوم”.
“مند لبوم” هو اسم عائلةٍ يهوديةٍ تنتمي للطبقة المتوسطة العليا كانت تقطن في منزلٍ بالقرب من نقطة العبور.
يعود تاريخُ بناء البوابة كنقطةٍ ثابتةٍ إلى عام 1949 كما يظهر في وثيقةٍ أرشيفيةٍ صهيونيةٍ، توضّح مصادقة “يحزقئيل ساهر” Yehezkel Sahar القائد العام في شرطة الاحتلال لمنطقة القدس على القرار بإقامة بوابة “مند لبوم” بتاريخ 20 أيار من عام 48
هكذا وصف إميل حبيبي نقطة العبور تلك في قصته القصيرة “بوابة مند لبوم”. كان حبيبي شاهداً على تجربة مرور والدته من الأراضي المحتلة إلى شرقيّ القدس للقاء أولادها الذين تشتّتوا بعد النكبة، وتفرّقوا عنها، بعد أن حصلت على موافقة وزارة الداخلية الصهيونية.
وكما لوالدة إميل حبيبي حكايةٌ، فللفلسطينيين الآخرين أيضاً حكاياتٌ وذكرياتٌ كثيرةٌ مع هذه البوابة، وما ترمز إليه من مأساة التشتيت والاستعمار. سنعرض هنا زوايا مركّبةً من تلك الحكايات؛ كيف أن بعضاً من الباقين في الأحياء الغربية من القدس قد حاولوا “حتى الموت” في سبيل لقاء أشقائهم وأقربائهم على الطرف الآخر من الخطّ