رحلة طنجة – شفشاون
… السلام عليكم .. أرغب في أن أتقاسم معكم رحلة قمت بها داخل الوطن ،
ليس بغرض التعريف السياحي بأرجاء الوطن ، هذا الأخير يتعالى على التعريف والبيان ؛ بل بغرض مقاربة قيمة السفر وانعكاساته الإيجابية على الذات .. يقال في المأثور ” لا تتم فائدة الانتقال من بلد إلى بلد إلا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور ، فإذا سافر معك الهم فأنت مقيم لم تبرح ” ..
انطلاقا من هذه التوطئة الحثيثة ، وددت تقريبكم من معالم مدينتين جميلتين في المملكة المغربية : المدينة الأولى عصرية حديثة ( كبيرة ) والمدينة الثانية تاريخية عتيقة ( صغيرة ) ؛ فالمسافر إليهما لا غرو ستنتقل نفسه من مقام سيكولوجي إلى مقام آخر ، من منظور سيوسيو – ثقافي إلى آخر، من شعور إلى شعور كما ورد في القول المأثور .. إليكم ملخص الرحلة باقتضاب .. .. بعد مغادرة البيت ، ركبت الحافلة المتوجهة إلى مدينة ” طنجة ” ،
التي انطلقت تطوي مسافة المدن التالية : م. إمنتانوت / م. سطات / م. البيضاء / م. القنيطرة / م. العرائش وصولا إلى م. طنجة ( استغرقت رحلة السفر حوالي 13 ساعة ) . وصلت إلى محطة الحافلات بمدينة طنجة صبيحة اليوم ( مارس 2018 ) ، بعد تناول وجبة الفطور في أحد مقاهي المحطة ، توجهت على التو إلى منطقة وجود كثرة الفنادق المقابلة للشاطئ والميناء ( الكورنيش) .
نزلت في فندق ، صففت في غرفته حوائجي وأخذت حماما ساخنا واستلقيت على السرير فغفوت غفوة خفيفة أراحت ذاتي من تعب السفر الشاق .. بعد جولة على رصيف كورنيش شاطئ م. طنجة الجميل ، اكتشفت بهاء ورونق هذا الشاطئ الأنيق من حيث احتواؤه على أعمدة الإنارة العمومية من الطراز الرفيع ، والكراسي الحديدية الخاصة بالجلوس ( جيَدة الصنع والإتقان ) ، والمساحات الخضراء المغطَاة بالعشب الأخضر فاقع اللون تتوسطها بعض أشجار النخيل ، والممرَات الخاصة بالراجلين والمتجولين حديثة البناء ، والمساحات محدودة المجال يمارس على أرضيتها عشاق التمارين الرياضية هواياتهم في الهواء الطلق ،
والأماكن الخاصة بألعاب الأطفال يمرح في أرجائها الصغار … يحاذي هذا الكورنيش شارع محمد الخامس الذي تزيَنه العمارات والإدارات والمنشئات السياحية والعمرانية والفنادق الراقية الفخمة من جهة اليمين ؛ ومن جهة الشمال ، يوجد البحر والميناء ( ميناء الصيد التقليدي / الميناء الترفيهي .. ) . استغرقت ما يفوق الساعة من الزمن في المشي على كورنيش البحر؛ وقبل العودة إلى مقر الإقامة غيَرت منعطف التجوال إلى جهة أخرى فصادفت دون عناء البحث مقر محطة القطار الجميلة / العصرية في منطقة تسمَى ” مالاباطا ” قرب سوق ” أسيما ” ..
— في اليوم الثاني ، قمت بجولة داخل المدينة العتيقة { في الصباح } ، والميناء المتوسطي { في الزوال } حيث عاينت المناطق السياحية / التاريخية التالية : * باب القصبة القديمة التي شيَدها السلطان م.إسماعيل العلوي و الاحتلال البرتغالي للمغرب ، لكن الولوج إليها غير ممكن نظراً للإصلاحات الجارية داخلها ( ترميم / تبليط … ) ؛ إذ أقلقت في وجه الزوار والسياح الأجانب ..
* ساحة باب المرسى / إنها ساحة مطلَة على الشارع الذي يحاذي البحر والميناء ، يشهد وجودها وتاريخها على زمن وجود الاحتلال البرتغالي لمدينة طنجة ؛ هذه الساحة التاريخية يتمَ الوصول إليها من خلال الدخول من باب ” الدباغ ” الذي يعدَ بوابة المدينة العتيقة .. * ميناء الصيد البحري / الذي يحوي مراكب الصيد التقليدي ، وهو ميناء صغير ترسو فيه مراكب محدودة وصغيرة تنقل الأسماك من محيط طنجة البحري ؛ يجاور هذا الميناء ميناءين : الميناء الترفيهي و الميناء الدولي للعبور إلى الضفة الأخرى .. * الميناء المتوسطي الذي عاينته من وراء السياج الحديدي ، إنه بحق جوهرة شمال المغرب ومعلمتها الاقتصادية :
ميناء كبير يشمل رافعات شامخة تحمل حاويات البضائع ، وتوجد كميات كبيرة من السيارات الجديدة نوع ” داسيا ” تنظرها دورها في الشحن إلى القارتين الإفريقية والأوروبية معا ، وإدارات ومؤسسات متخصصة وعصرية ، ومآرب فسيحة لوقوف السيارات ، وبساتين خضراء تحيط بالميناء المتوسطي .. * بلدة القصر الصغير / بعدما عاينت المكان ( الميناء المتوسطي ) والتقطت صورا تذكارية مررت ببلدة ” القصر الصغير ” ،
منطقة جبلية صغيرة ونظيفة وجميلة تجمع بين الطابع الجبلي حيث المرتفعات / جبال الريف ، والطابع البحري حيث وجود ميناء وشاطئ ، والطابع البري حيث ينساب ماء واد ” لو ” وسط البلدة ؛ يوجد ممر للمتجولين وعلى ضفافه تصطف كراسي جميلة صنعت من حجر الرخام ومصابيح .. وسط البلدة تصطف بنظام الدكاكين والمقاهي ومحلات الأكل وعربات بيع الخبز ، إذ كل عربة صغيرة خشبية الصنع تحمل اسم صاحبتها .. — في اليوم الثالث ،
حزمت حقيبتي استعدادا لمغادرة النزل في اتجاه محطة النقل العمومي بنية السفر إلى مدينة ” شفشاون ” التي تبعد عن م . طنجة بحوالي 120 كلم .. وصلت إليها في الصبيحة الثانية مكثت فيها يوميين .. كيف وجدت شفشاون الملقبة ب ” غرناطة الصغيرة ” ؟ .. مدينة شفشاون أو الشاون أو أشاون التي تعني باللغة الأمازيغية القرون ، أسسها علي بن راشد بهدف إيواء المسلمين المنحدرين من الأندلس سنة 1471 م.
بعدما طردهم الأسبان من بلادهم الأندلس .. توجد المدينة على سلسلة جبال الريف وتنتمي إقليميا إلى جهة / طنجة / تطوان.. من معالمها السياحية ما يلي :
– القصبة / مجال أثري / تاريخي تتوسطه حديقة خضراء ذات حوضين ويحيطها سور ، وتتوسطها أبراج ؛ فهي معماره يعكس الطابع الأندلسي ، داخلها متحف اثنوغرافي يحوي صورا وخرائط وشاشة للعرض وبيانات .. – ساحة وطاء الحمام / ساحة عمومية بالمدينة العتيقة ،لكنها الآن ساحة سياحية تتوسطها سبيلة ( نافورة مائية تقليدية صغيرة ) ، أمامها المسجد الأعظم ، وتقابلها القصبة الأثرية ( انظر الصور) ، وعلى جنابتها دكاكين ومقاهي ومحلات تعرض كافة المنتجات السياحية المحلية : ملابس / أغطية / صور تذكارية / حلي / لوحات فنية ) .. – المسجد الأعظم / مسجد تاريخي أسس في عهد حكم أسرة بني راشد العلمية الإدريسية في القرن 19 م.
على يد الحاكم علي بن راشد العلمي الإدريسي الحسني .. يتميز المسجد باتساع مساحته ، وصومعته ذات الأضلع الثمانية ، وثريته الخشبية وسط المحراب ، وزخرفته بديعة الإتقان .. – رأس الماء / منبع يزود المدينة بالماء الصالح للشرب والري والزراعة ؛ وهو قريب من حي الصبانين .. إنه فضاء سياحي وطبيعي يشد إليه أنظار الزوار والسياح .. فهو منبع مائي وفيض رباني يغسل القلوب والعقول والأحجار والأشجار .. فهو ذاكرة طبيعية أضفت حلة سياحية على م. شفشاون ، وقيمة تسهم في تسويق الوجه الحضاري للمدينة .. . ..
تحتوي أيضا م. الشاون على أحياء عتيقة منها حي ” السويقة ” { أقدم تجمع سكاني يضم منازل وبيوت تقليدية مزينة باللونين الأبيض والأزرق ، وتزين جدران فضائه المكاني نافورات مائية حائطية .. } ؛ وحي “الصبانين ” ويقع على طل الطريق المؤدية إلى رأس الماء ؛ وحي ” الأندلس ” وشارع المغرب العربي ..
.. .. وبعبارة مختصرة ، فمدينة شفشاون مدينة عتيقة وسياحية وجبلية وصغيرة وجميلة وساحرة نابضة الحياة باخضرار غطائها النباتي وبتدفق وانسياب مائها دائم الجريان ..
.. حصاد القول : إن مدينة طنجة العصرية والقديمة معلمة تاريخية وحضارية ومعمارية بامتياز ؛ تعرفت عليها عن كثب من خلال معاينة طابعها العصري ـ الحضاري ـ المعماري المتمثل في منشآتها وبناياتها ومرافقها العمومية ووسائل خدماتها الاجتماعية .. فهي تريح الزائر وتبهج الناظر وتضرب موعداً للقادم وتشوَق المسافر وتنقش في ذاكرة الراحل ما لا ينسى … إنها مفخرة مغربية نظيفة وأنيقة ذات طابع عصري أوروبي لا يمكن نسيانها أو تجاهلها نظراً لمميَزاتها ومؤَهلاتها وخدماتها .. أما شفشاون أندلس المغرب فتنسيك همومك إذا صعدت إلى ” رأس الماء ” ،
وتنفس كربك إذا تناولت مشروبا في إحدى مقاهي ساحة ” وطاء الحمام ” ، وتسافر بك في دروب التاريخ إذا مشيت بين دروب أزقتها المزينة بالجداريات واللوحات الفنية الخلابة .. ومن ثم ، صدق القول بأن قصر النظر من عدم السفر .. ألقاكم إن شاء الله في رحلة أخرى ،
وفي حفرية جديدة لاحقا ..