للسورية المتميزة شهلا العجيلي ،
وكانت مرشحة لجائزة بوكر العربية ضمن اللائحة القصيرة لعام ٢٠١٩ . إلى ( الرقة ) كما ستبقى في ذاكرتي ! بهذا الإهداء تستهل العجيلي روايتها،
ثم تأخذنا في رحلة عبر ما يقارب المئة عام ومن خلال راويات ثلاث يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة . تبدأ الرواية بصوت لميس ابنة نجوى وحفيدة كرمة ، وهي في مدينة كولونيا الألمانية التي وصلت إليها هربا” من الحرب في سوريا ، حيث تكون بصحبة عبود ابن الجيران صديق طفولتها والذي كانت أمه آنا من تشيكوسلوفاكيا ، لتخطفنا خلفا” نحو الرقة مدينتها الأثيرة الرابضة على كتف الفرات أقدس أنهار العالم .
تتداخل القصص وتتغير المدن ، ليتبين أن الحروب مهما اختلفت أماكنها فهي لا تخلف وراءها سوى الويلات وجروح النفس التي لا تشفى . نجوب من خلال شخصية كرمة ( الجدة ) التي كانت راقصة في فرقة بديعة مصابني ، في فلسطين ، بيروت ، مصر ، والقسطنطينية ، نعاصر حرب القرم ،
لنعود إلى الرقة حيث تتزوج كرمة من آغا وتنجب منه نجوى ونجيب ( تيمنا” بنجيب الريحاني ). من خلال هذه الحقبة ( أربعينييات القرن العشرين ) نتعرف على منمنمات الحياة الاجتماعية في الرقة وقدرة النساء على التكيّف من أجل الحب والعائلة ، دون أن يفقدن الاستمتاع بأسرارهن التي تمنح الحياة البهجة واللون . يأتي دور نجوى لتكشف لنا عالم الثمانينييات في سورية بكل ما فيه من ضغط سياسي واقتصادي ، وبكل السواد الذي يلتصق بروح امرأة تركها رجلان شقيقان ،
والتي ستعثر فيما بعد على حب جديد يشقيها ويشقي ابنتها لميس ، هذا الحب هو نيكولاس الألماني أستاذ الفهم الجماهيري للعلم في جامعة ميونيخ ، والذي يأتي إلى الرقة متتبعا” أثر عالم الفلك البتاني . تنضم إلى النسوة الثلاث كارمن شقيقة نيكولاس وهي كاتبة مشهورة ، لتحكي تاريخ عائلتها التي شردتها الحرب العالمية الثانية ، من مدينتهم دانزيغ ،
وكارمن هي التي ستستضيف لميس عند وصولها إلى مدينة كولونيا الألمانية . رواية حافلة بالتفاصيل التي تنساب بسلاسة في إطار جذاب من الثقافة الرفيعة التي تمتلك ناصيتها العجيلي ، حيث تنجح بشكل كبير في تقديم معلومات تاريخية وجغرافية عن المنطقة وكشوفاتها الأثرية ، وتقدم جيل الستينييات ( شخصية الخال الشيوعي نجيب ) وأحلامه وانكساراته ،
وتغزل قصص فرعية فتحيك منها نسيجا” متماسكا” ، منقوشا” بتفاصيل كالمنمنمات التي تشكل لوحة بانورامية عن مدينة عجيبة وجميلة وغنية فيها بشر لهم حياتهم الخاصة وأحلامهم ، مدينة انتجت العديد من العلماء والكتاب والفنانين ،
وبقيت مجهولة لعامة الناس لسنوات قبل أن تعلن عاصمة للدولة الإسلامية وتدمر بوحشية . ملحمة رائعة لم أذكر أحداث كثيرة فيها منعا” لحرق متعة القراءة .
شهلا العجيلي ، كاتبة وأكاديمية سورية ، حاصلة على الدكتوراه في الدراسات الثقافية من جامعة حلب ، وهي أستاذة للأدب الحديث في الجامعة الأميركية في الأردن ،
وصلت روايتها ( سماء قريبة من بيتنا ) إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 2015 ، وترجمت إلى الإنكليزية و الألمانية ،
حصلت روايتها ( عين الهر ) على جائزة الدولة الأردنية في الآداب عام 2010 ، كما صدر لها رواية ( سجّاد عجمي ) عام 2012 ، لها في القصة القصيرة مجموعة ( المشربية ) عام 2005 ,
وحصلت مجموعتها ( سرير بنت الملك ) على جائزة الملتقى – الجامعة الأميركية في الكويت عام 2017 ،
وهي أرفع جائزة عربية للقصة القصيرة .