للتركية اليف شافاك.
بداية يجب التنويه بالأفكار غير التقليدية التي تطرحها هذه الكاتبة الفذة،
فمن خلال مقالة علمية كندية تقول أن هناك نشاطاً عقليّاً دؤوباً لدى الأشخاص الّذين لم يمر على موتهم سوى القليل من الوقت . في بعض الحالات دام النشاط بضع دقائق ، في حين استمرّ لدى حالات أخرى عشر دقائق . ماذا حدث خلال تلك الفترة ؟ هل يتذكر الأموات ماضيهم ؟ وأي جزء يتذكّرون؟ وبأي ترتيب؟
من هذه الفكرة استوحت شافاك روايتها ، مقدّمةً بطلتها ليلى ،المومس التي تدرك أنها ماتت مقتولة وأن قلبها توقّف لكن عقلها لا زال يعمل ، فتبدأ بتذكّر حياتها خلال عشر دقائق وثمانية وثلاثون ثانية ، من ولادتها في مدينة فان حتى إحساسها بالموت مروراً بالصداقات التي كوّنتها مع خمسة أشخاص عبروا في حياتها هم سنان ابن الصيدلانية، نالان المتحوّلة جنسياً، زينب القزمة اللبنانية، حميرة المغنية، جميلة المومس الصومالية.
كل ذلك في وصف ثري بالحواس حيث يتم تجسيد كل شيء بالصوت والصورة والرائحة. الرواية عن النساء المنبوذات والمهاجرات والمستضعفات ، اللواتي يعتبرن كالنفايات في بلد غير ليبرالي ، حيث نرى الطريقة التي تعامل بها المرأة في تركيا والمجتمعات العربيّة عموماً ،
والمتّسمة بالقهر الذكوري وفرض السلطة تحت مسمّى العرف والدين. كما تؤكد شافاك على أهميّة الصداقة في هذه المجتمعات مسمّية إياها بالعائلة الموازية للفرد أو ( عائلة الماء ) التي تختلف عن ( عائلة الدم ) التي ينتمي إليها الفرد بالولادة . القسم الثاني من الرواية يتطرق إلى محاولة قيام أصدقاء القتيلة بدفن عزيزتهم ليلى في مكان لائق غير مقبرة الغرباء التي يدفن فيها اللاجئون والمنبوذون والمتحوّلون جنسياً والأطفال الّلقطاء. الرواية ملئية بالعنف النفسي والجسدي لكنّها في نفس الوقت حافلة بحب الحياة وخصوصاً عند اجتماع الأصدقاء ،
كما تحكي عن مفاصل مهمة في تاريخ تركيا الحديث والقريب جداً ، لذلك شهدت الروائية هجوماً في تركيا على عملها الروائي هذا. تهدي شافاك روايتها كما يلي: إلى نساء اسطنبول، إلى مدينة اسطنبول التي كانت ولا تزال مدينة أنثى. هذه المدينة هي مدينة التناقضات والأوهام كما تصفها، ملامسة أوجاع المنبوذين فيها مبيّنة أن هذه المدينة ليست تلك التي تريد تركيا أن يراها الأجانب .
من عمل إلى آخر تثبت شافاك براعتها في ابراز التفاصيل المحلية وامتلاكها لسعة أفق عالمية.