كنّا صغارا ً ( الحلقة 17)

—————————— من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاء كمال الخشن —————————————————

كان حيُّنا من الناحية السوسيولوجية , من الأحياء التي تتميز بالروابط الاجتماعية المتينة والمصالح المشتركة ,
فطلاب البكالوريا يجتمعون قبل الامتحان يتبادلون المعلومات ويتعاونون في حل المسائل الصعبة .
وكان النسوة يجتمعن لشرب القهوة وتبادل الأحاديث أو صنع المؤونة وعلامات السعادة تطغى على وجوههنَّ كأنهنَّ في قرية صغيرة تجمع الإلفة بين سكانها , وتحتضن أجمل العلاقات الإنسانية , حيث تزول الحواجز بين الجيران وتخلو الحياة من التكلف وتبرز روح الجماعة في المناسبات المفرحة والمحزنة . وكان جارنا ” أبو محمد الكاشي ” يتصدر العراضات في الأعراس ويستفتحها بالأهزوجة : ياشاغور موجي موجي . نحنا شيخنا السروجي . ويُروى أن “السروجي ” كان فقيهاً حنبلياً وتحول حنفياً. وأشخص من دمشق إلى مصر، فَوُلِّيَ الحكم الشرعي فيها مدة . ونُعِتَ بقاضي القضاة . وقد برع في علوم شتى . وكان له كتب فقهية منها (شرح الهداية ،) واعتراضات على الشيخ ابن تيمية في (علم الكلام) . ورغم الإلفة التي تجمع بين أفراد الحي لم يكن الأمر ليخلو من بعض الشجارات بين النسوة . لكن سرعان ماتختفي تلك المشاكل في الأعراس والمناسبات المحزنة التي تجتمع فيها نساء الحي كافة . حيث تتوسط النسوة الكبيرات بين الطرفين المتنازعين . وإن لم ينته الخلاف بالرَّوِيَّة .تنهيه النتَّافة ” أ م برمادا ” بقوة الذراع . . كل الشجارات كانت تنتهي .إلا شجار أم هاني مع ” الميسورة ” . فأم هاني كانت صاحبة لسان سليط لايتلاءم مع طولها . وكثيرا ماكان النسوة يقلْنَ لها لوكان لسانك مثل طولك لكان الحي بألف خير . كانت “الميسورة ” شابة متعلمة ,ذات قوام رشيق وصوت رقيق ولحظ جارح وشعر بني فاتح . وسميت بالميسورة لأن والدها تُوِفِيَ وترك لها مبلغاً من المال أعانها في متابعة دراستها هي وشقيقاتها . كانت ام هاني تغار منها . لأن كل من يتقدم لخطبة إحدى بناتها . يَعْدِلُ عن مشروعة لدى رؤية الميسورة . هذا مايجعل أم هاني تفتعل معها الخلافات ثم تدَّعي بأن الميسورة تلفظ ألفاظاً بذيئة. وتصْرَخُ في الحي بأعلى صوتها : الميسورة تقول لي : ياشرموطة ياأحبة ..نحنا ماعنا منه هالحكي !!وتسترسل قائلة : وتقول لي : ياشْلِكِه يامْأَفْلِه نحنا ماعنَّا منو هالحكي ) . وتظل تنتقي العبارات البذيئة حتى ينتهي قاموسها ظناً منها انها ستشوه صورة الميسورة أمام رجال الحي . كان جميع اهل الحي يعرفون قصدها ويسخرون منها. وعندما أقول لأبي كيف تجرؤ هذه المرأ ة أن تتلفظ بتلك العبارات ؟ كان يضحك ويقول : تلك المرأة شريرة لكن تلفظها بتلك العبارات عادة ألفتها على مايبدو ولو كانت تعرف بأن تلك المصطلحات ليست سيئة تماما ، لتوقفت عن تردادها وبدأ الشرح كعادته . (فرغم أنه لم يمتلك شهادة عالية كان كثير المطالعة والتركيز فيما يقرأ ) .استرسل قائلاً: رغم انزعاجنا من كلمة (شرموطة ) وتسرعنا في الحكم على هذا اللفظ فهو يجب ان يقال للمرآة التي تشرمط شفاهها ،أي تلونها بالأحمر . ومنيوكة جاءت من تنايك الأجفان أي انطبق بعضها على بعض . فهو مصطلح للمرأة الدلوعة أكثر منه للمرأة الفاسقة .ويقال :ناك المطر الأرض . أي نزل عليها بكثرة .ويمكن ان نصاب بالذهول لو عرفنا أن القحبة هي المرأة الثرثارة المصابة بالسعال . او الهضبة التي اعتاد العرب ركوبها لاختصار السفر. وأحياناً يضرب المثل بحسن وجمال المرأة فتُلَقَّبُ قحبة . فضحِكْتُ كثيرا وقلت في نفسي لابد لنا من مصطلحات جديدة أكثر ملاءمة للمواقف ربما ستتعلمها أم هاني في المستقبل..

يتبع ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top