—————————— من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاء كمال الخشن —————————————————
كان حيُّنا من الناحية السوسيولوجية , من الأحياء التي تتميز بالروابط الاجتماعية المتينة والمصالح المشتركة ,
فطلاب البكالوريا يجتمعون قبل الامتحان يتبادلون المعلومات ويتعاونون في حل المسائل الصعبة .
وكان النسوة يجتمعن لشرب القهوة وتبادل الأحاديث أو صنع المؤونة وعلامات السعادة تطغى على وجوههنَّ كأنهنَّ في قرية صغيرة تجمع الإلفة بين سكانها , وتحتضن أجمل العلاقات الإنسانية , حيث تزول الحواجز بين الجيران وتخلو الحياة من التكلف وتبرز روح الجماعة في المناسبات المفرحة والمحزنة . وكان جارنا ” أبو محمد الكاشي ” يتصدر العراضات في الأعراس ويستفتحها بالأهزوجة : ياشاغور موجي موجي . نحنا شيخنا السروجي . ويُروى أن “السروجي ” كان فقيهاً حنبلياً وتحول حنفياً. وأشخص من دمشق إلى مصر، فَوُلِّيَ الحكم الشرعي فيها مدة . ونُعِتَ بقاضي القضاة . وقد برع في علوم شتى . وكان له كتب فقهية منها (شرح الهداية ،) واعتراضات على الشيخ ابن تيمية في (علم الكلام) . ورغم الإلفة التي تجمع بين أفراد الحي لم يكن الأمر ليخلو من بعض الشجارات بين النسوة . لكن سرعان ماتختفي تلك المشاكل في الأعراس والمناسبات المحزنة التي تجتمع فيها نساء الحي كافة . حيث تتوسط النسوة الكبيرات بين الطرفين المتنازعين . وإن لم ينته الخلاف بالرَّوِيَّة .تنهيه النتَّافة ” أ م برمادا ” بقوة الذراع . . كل الشجارات كانت تنتهي .إلا شجار أم هاني مع ” الميسورة ” . فأم هاني كانت صاحبة لسان سليط لايتلاءم مع طولها . وكثيرا ماكان النسوة يقلْنَ لها لوكان لسانك مثل طولك لكان الحي بألف خير . كانت “الميسورة ” شابة متعلمة ,ذات قوام رشيق وصوت رقيق ولحظ جارح وشعر بني فاتح . وسميت بالميسورة لأن والدها تُوِفِيَ وترك لها مبلغاً من المال أعانها في متابعة دراستها هي وشقيقاتها . كانت ام هاني تغار منها . لأن كل من يتقدم لخطبة إحدى بناتها . يَعْدِلُ عن مشروعة لدى رؤية الميسورة . هذا مايجعل أم هاني تفتعل معها الخلافات ثم تدَّعي بأن الميسورة تلفظ ألفاظاً بذيئة. وتصْرَخُ في الحي بأعلى صوتها : الميسورة تقول لي : ياشرموطة ياأحبة ..نحنا ماعنا منه هالحكي !!وتسترسل قائلة : وتقول لي : ياشْلِكِه يامْأَفْلِه نحنا ماعنَّا منو هالحكي ) . وتظل تنتقي العبارات البذيئة حتى ينتهي قاموسها ظناً منها انها ستشوه صورة الميسورة أمام رجال الحي . كان جميع اهل الحي يعرفون قصدها ويسخرون منها. وعندما أقول لأبي كيف تجرؤ هذه المرأ ة أن تتلفظ بتلك العبارات ؟ كان يضحك ويقول : تلك المرأة شريرة لكن تلفظها بتلك العبارات عادة ألفتها على مايبدو ولو كانت تعرف بأن تلك المصطلحات ليست سيئة تماما ، لتوقفت عن تردادها وبدأ الشرح كعادته . (فرغم أنه لم يمتلك شهادة عالية كان كثير المطالعة والتركيز فيما يقرأ ) .استرسل قائلاً: رغم انزعاجنا من كلمة (شرموطة ) وتسرعنا في الحكم على هذا اللفظ فهو يجب ان يقال للمرآة التي تشرمط شفاهها ،أي تلونها بالأحمر . ومنيوكة جاءت من تنايك الأجفان أي انطبق بعضها على بعض . فهو مصطلح للمرأة الدلوعة أكثر منه للمرأة الفاسقة .ويقال :ناك المطر الأرض . أي نزل عليها بكثرة .ويمكن ان نصاب بالذهول لو عرفنا أن القحبة هي المرأة الثرثارة المصابة بالسعال . او الهضبة التي اعتاد العرب ركوبها لاختصار السفر. وأحياناً يضرب المثل بحسن وجمال المرأة فتُلَقَّبُ قحبة . فضحِكْتُ كثيرا وقلت في نفسي لابد لنا من مصطلحات جديدة أكثر ملاءمة للمواقف ربما ستتعلمها أم هاني في المستقبل..
يتبع ….