كنّا صغارا ً (الحلقة16)

إن التنوع السكاني الكبير في حيّنا ..
حمل معه تنوعاً في الحكايا ..فوراء كل بيت قصة .
كانت شرفة منزلنا العالية وشرفة جارتنا ام سعيد المقابلة لنا .تشبهان صالة مسرح تُعْرَضُ أمامها حكايا الجيران .
فأم سعيد تراقب جهتنا . ونحن نراقب جهتها . وحين تلتقي مع أمي تبدأان بتحليل المشاهد والمواقف .
كانت أمي تحب ” أم سعيد ” لكنَّ كل منهما تنافس الأخرى على تأجير الجزء المنعزل من منزلها لأحد الطلاب أو الموظفين القادمين من القرى للعاصمة .كانت جارتنا تلك تملك مجموعة أطفال أكبرهن هيفاء تلك الفتاة البارعة الجمال ’ التي كان يُطلِق عليها الجميع لقب ” نادية لطفي ” لشدة شبهها بها . لم يتمكن أي شاب في الحي أن يفوز بقلبها . فكل من يقطن قربهم وقد استهدفها يعود مجرجراً أذيال الخيبة .لأنها كانت فتاة عفيفة ويتجه نحونا . قتتكاثف خيبته . فتكون محطته الأخيرة عند جارتنا المقابلة ” أم برمادا ” التي كان جسمها يهتز من السمن وكان أهل الحي ” يطلقون عليها اسم المدَرَعة ” لضخامتها ولحمها الذي يرتج عندما تتحرك , وصوتها الرجولي. كانت ” ام برمادا ” تعمل ” نتَّافة ” تحف ُّ شعر النساء المتكاثف على أجسامهن وتقوم ابنتها بتزيين العرائس . وتعمد هي لإنارة الغرفة إنارة قوية في الليل وتفتح الستائر وتُشَرِّع النوافذ في النهار ,( بسبب ضعف نظرها ) وتوجه ساقَيْ الزبونة نحو الضوء , وتبدأ بالحف بعد أن تثبت فخذها الضخم على بطن الضحية . وتبدأ بعملية الحف التي تشبه استخراج النفط . حيث ينقطع نفس الزبونة . لكن كل ذلك يهون في سبيل ان تخرج حلساء ملساء .وكان النساء يتكاثرن عندها في نهاية شهر رمضان واقتراب موسم العيد . خاصة أنها تستخدم في المناسبات بالإضافة إلى العجينة المصنوعة من السكر المعقود مطبوخ هو مزيج من النورة والزرنيخ لإزالة الشعر عن الجسم وتعقيم البشرة وإزالة الروائح الكريهة . ويحكى ان أول من استعمل النورة كانت الملكة بلقيس .والنورة هي عبارة عن حجر من بيكربونات الكالسيوم المطفأة بالماء . ويعتقد البعض أن المفعول في إزالة الشعر يعود لها بينما هوللزرنيخ السام .ولذا درج المثل الشائع : (الصيت للنورة والفعل للزرنيخ ) . لاحظ والدي أن المستأجر يختلس النظر إلى نافذة ” أم برمادا ” . لكنَّه لم يتلاسن معه خشية ان يترك الغرفة ولايجد غيره مستأجراً .لأن الطلاب يعودون لقراهم في الصيف وفي العطل الرسمية .فذهب إلى ” أم برمادا ” وقال لها : ( أنا زلمة صايم مصلي) لاأحب أن استفتح بعورات النساء كلما فتحتُ نافذتنا. فقالت له : أغلق أنت نافذتك (أنا بدي استفتح ) . فعاد أبي بخفيِّ حنين لأنه يعلم أنه لن يحقق مرامه . فكلمة ” ام برمادا ” كانت نافذة بسبب دعمها من إحدى زبوناتها التي تنتمي إلى عائلة برع شبّانها في استعمال السكاكين .وكان أحدهم رياضياً خلوقاً يلعب كرة القدم وقد حقق منصباً رفيعاً في عمله . وقد أحبه أصدقاؤه ، لكن جانب تلك العائلة ظل مرهوباً وكلمتهم نافذة . لدرجة أنهم تمكنوا من فرض أحد أبنائهم العاطلين عن العمل .( وكان سكرجياً) ليصبح مسحراً ، يوقظ أبناء الحي . وكان يَلِطُّ بطحة ( ربعية ) عرق . ويحمل طبله ويبدأ بالضرب عليه ويغني : (ياليلي ياعيني ياليل. .ضُمْ ضَضُمْ تًكْ .ضُمْ ضَضُمْ تَكْ..) ثم يصيح ( مين مثلي غنَّى) ؟ وكان على خلاف مع جارنا أبي هاني الذي يقطن القبو . فحينما يصل المسحر قرب نافذة أبي هاني يبدأ بالضرب على الطبل بقوة . ثم يضرب النافذة وحين يجد أن أبا هاني لم يستيقظ, يبدأ بالضرب على النافذة ويصرخ : (وَحِّدْ ألله ضم ضضم تك ..ضُمْ ضَضُمْ تَكْ ) .لكن أبا هاني الذي لايصلي ولايصوم , يُصِرُ على عدم تنوير الغرفة ..فيعود هذا المسحّر ويضرب على النافذة ويصرخ وَحِّد ألله ( لك أخو الشرموطة .) وينتهي السحور والمسحر يضرب ُعلى الطبل ( بالشبرية ) بدل العصا . وجميع اهل الحي (الصائم والمفطر) يوحدون الله . وقد طار النوم من عيونهم .

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top