ضمن سلسلة “القراءة المواطنة” التي ترعاها حلقة الفكر المغربي،
صدر الكتاب الشهري السادس، وهو للأديب والإعلامي المغربي الطاهر الطويل،
بعنوان “مقامات ومقالات في المجتمع والمعرفة والإعلام”،
تزين غلافه لوحة للفنان السوري موفق مخول. وفي ما يلي مقدمة الكتاب:
تُوصَف الكتابة بكونها اقتناصاً للحظة الهاربة التي إنْ لم يُعبـَّـر عنها في الحين
تنفلت من عقال الكاتب،
وقد تستعصي عليه في ما بعد. بيد أن الكاتب لا يكتفي باقتناص العابر فحسب،
وإنما يروم أيضا سبر أغوار العناصر الجوهرية في الوقائع والمشاعر والطباع،
وفق رؤيته الخاصة. لا يدّعي الكاتب أنه يبتدع أمرا جديدا لم يسبقه إليه أحد؛
فالمعاني مطروحة في الطريق، كما قال الجاحظ قديما،
ولكن عمل الكاتب يكمن في طريقة صوغها والتعبير عنها، أي في التوليفة التي
يحدثها بمخياله أولا وبأسلوبه ثانياً. ومن هنا، فالمقالات التي تضمها دفتا هذا الكتاب،
تجسّد سعيَ مؤلِّـفِـها الموقّع أسفله إلى أن يضمن لكلمته الحضور والاستمرار؛
فالكلمة تأبى البياض والسكون. هي مقالات قصيرة ومكثفة،
أشبه ما تكون بـ”الكبسولات”، كُـتـبـتْ في أزمنة مختلفة، تمتد من منتصف
تسعينيات القرن الماضي إلى مطلع سنة 2014م،
ونُشرت في منابر مغربية وعربية متعددة، ضمن أعمدة بمسميات شتّى:
فمن “التكسكيسة” في صحيفة “الميثاق الوطني” إلى “التقويسة” في صحيفة “الصباح”،
مرورا بـ”تداعيات” و”فضائيات” في صحيفة “القدس العربي” و”فضفضة” في مجلة “السيدة الأولى” و”زاوية حرة” في صحيفة “صوت الجهة”. وحين انتقلت تلك المقالات من الأعمدة إلى الكتاب، كان طبيعيا أن تدخل عليها بعض التعديلات الطفيفة، دون أن يمس ذلك ببنيانها ومضمونها الذي لا يختصّ بزمان أو مكان محددين. معركة المعرفة تحاول مقالات الكتاب أن تساهم ـ ولو بقسط ضئيل جدا ـ في عملية دق الخزان، من أجل لفت الانتباه إلى “معركة المعرفة”، إذ يلاحظ أننا ـ نحن العرب ـ صرنا أبعد ما نكون عن الرغبة في التعلم والتزود بمحتويات الكتب ونفائسها. فبخلاف العديد من الأمم الغربية التي تعد القراءة لديها سلوكا يوميا مألوفا، فإننا نعتبر هذا الموضوع ترفا لا لزوم له وسلوكا مرتبطا بفئة محدودة من الناس. إننا لا نجالس الكتاب “خير جليس” ولا نؤنسه في وحدته. فرغم تزايد حركة التأليف والنشر خلال السنين الأخيرة، إلا أن نسبة استهلاك المؤلفات ما زالت متدنية بشكل لافت للانتباه. ومن ثم، يحق لنا أن نتساءل:
لمن يكتب الأدباء والمفكرون والنقاد إذا كان التلقي المستهدف غير موجود على أرض الواقع؟
هناك عوامل عديدة تساهم في هذه الوضعية غير المُرضية بتاتا،
أولها آفة الأمية الأبجدية التي ما زالت متفشية في مجتمعاتنا العربية بنسب متفاوتة من قطر لآخر. ويصل عدد الأميين في العالم العربي ككل إلى حوالي 100 مليون أمي، أي ما يقارب 30 في المائة من مجموع السكان، وذلك بحسب إحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وبالتالي، فجل حكوماتنا لم تنخرط بعد، بما يكفي من حزم وجدية، في معركة القضاء على هذه الآفة أو على الأقل التقليص من حدتها. والملاحظ أن الأمية منتشرة في صفوف الإناث أكثر من الذكور. فكيف سيكون حال الأبناء وكيف سيربون إذا كانت أمهاتهم غير متعلمات، خاصة أن المناهج التعليمية الحالية أصبحت تركز على عمل التلاميذ في بيوتهم بدرجة لا تقل عن حصص تعلمهم في المدارس؟ أما العامل الثاني فيتجلى في كون الكثير من المؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية في الوطن العربي لا تكرس عادة القراءة ولا تشجع عليها، ومن مظاهر ذلك غياب المكتبات وعدم تكريس السنة الحميدة المتمثلة في إعارة الكتب بين التلاميذ، إضافة إلى اعتماد التلقين التقليدي كأسلوب في التعليم وعدم تحفيز التلاميذ على البحث وتنمية مداركهم. ويتحدد العامل الثالث في افتقار مجموعة من المناطق إلى المكتبات العمومية التي تكون قريبة من التجمعات السكانية بما يسهل عملية ارتيادها والولوج إليها باستمرار. في حين، تكثر المقاهي وأماكن التسلية واللعب. ولا ننسى أيضا الدور الذي مازال غائبا أو مغيبا من وسائل الإعلام السمعية البصرية، التي تعطي الأولوية لبرامج الترفيه وأغاني “هز يا وز”، في حين تستبعد فقرات التثقيف والتوعية. وكأن هناك مخططا مرصودا لتبليد الناس وتسطيح عقولهم. وهكذا أصبحت فئات عديدة من شعوبنا لا تعاني من الأمية الأبجدية فحسب، بل كذلك من الأمية المعرفية التي تؤدي إلى فراغ الأذهان من الأفكار والمعلومات والقيم المعنوية وامتلائها بالتفكير في الأمور المادية الاستهلاكية. هكذا، يتبين أنه أمام المثقفين والأدباء والمفكرين ورجال التربية المسكونين بالهم الجمعي في العالم العربي مسيرة طويلة ومسؤولية جسيمة من أجل محاربة ظلام الأمية وغول الجهل. فبدون تعليم قوي ومعرفة متينة تكون مشاريع التنمية
والتقدم ناقصة وفاقدة للتوازن المطلوب. ……………….
للمؤلف أيضا الكتب التالية:
ـ لسان الحال، الصادر عن سلسلة شراع بطنجة، 1998.
ـ المسرح الفردي في الوطن العربي، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، 2015.
مرايا النفس المهشمة، الصادر عن مكتبة سلمى الثقافية بتطوان، 2019.