كنَّا صغاراً ( الحلقة الثالثة ) :
********************************
كبرنا قليلاً .وصارت والدتي تأذن لنا بالذهاب إلى المدرسة وحيدَيْن .لكننا كنّا نصل دوماً متأخرَيْن بسبب قِرْدة أطلق عليها بائع الفاكهة أبو بشير اسم بشيرة وكان يهتم بها ويدلعها وكأنها ابنته . فهو لم يرزق إلا ببشير ثم توقفت زوجته عن الإنجاب ، كان يرمي من وراء اقتناء القردة تجميع التلامذة الصغار قرب مكتبة ابنه المجاورة التي تحتوي إلى جانب القرطاسية ، العلك والسكاكر وألعاب الأطفال . ويجاور المكتبة شقيق أبو بشير الذي كان يبيع السحلب الساخن والبليلة للطلاب . كنت أقضي أنا وشقيقي دقائق طويلة نراقب القردة بشيرة وهي تأكل معظم أنواع الفاكهة . ليس محبة أو إعجاباً ، بل على أمل أن نستغفل البائع ونسرق من بشيرة الموز ة . فنجحتُ ذات يوم حيث غررتُ بالقردة وقدمتُ لها بيدي اليسرى قبضة حب نيئة من بذور دوار الشمس . وحين مدت يدها لتناولها خطفتُ الموزة من يدها الثانية وهربت أنا وشقيقي . فقامت قائمة القردة ولَم تقعد . لم تتمكن من ملاحقتنا لأنها مربوطة بجنزير مثبت ، فراحت ترمي بالفاكهة نحو الخارج ( تفاح وبرتقال وبطيخ ) نادانا بشير.. فخفْنَا وتسمرنا في مكاننا ، قال البائع بعد أن لحظ خوفنا :
– تعالي عمو لاتخافي أرجعي لها الموزة ، وشدني من يدي نحو الحانوت . كنت أعتقد أنه سيربطني إلى جانب القردة . لكن صاحب المحل سحب الموزة من يدي وأعادها للقردة حتى تهدأ . وقدم لنا موزتين عوضا عنها ، أكلنا واحدة وقررنا الاحتفاظ بالثانية . لكن أخي الذي استطعم كان يقرصني أثناء الدرس يريد بضع قضمات جديدة، فراح يشد الموزة من محفظتي ، وأنا أشدها نحوي .ثم جلست فوق المحفظة حتى انتهى الدرس . ولكن الموزة كانت قدفقدت بهاءها وجمالها وانعجنت. وكان يومنا بهياً في صباحه أسوداً في ظهيرته . بسبب الموزة صاحبة الجلالة.
يتبع ..