كنَّا صغاراً (الحلقة العاشرة)
*********************************
كانت معظم العوائل الدمشقية تقطن منزلاً كبيراً يشترك فيه كل أفراد العائلة وزوجاتهن . ورغم اتساع المنزل لم يكن فيه سوى حمام صغير مهمل ، فمعظم العوائل كانت تزور حمام الحي .لأن حمامات السوق كانت إحدى معالم دمشق التاريخية الجميلة التي تعود للعهدين الأموي أوالروماني .وعندما حكم الوليد بن عبد الملك دمشق قال :لأهلها (تفخرون على الناس بأربع أشياء : بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم ) .حتى درج القول : ( الحمَّام نعيم الدنيا ). وقد تسابق المعماريون على زخرفتها .وتنظيمها وجعلوها آية من الجمال . فرصفوا أرضها بالرخام وطلوا جدرانها بالقيشاني اللَّامع . وعقدوا على قبابها رسموماً وزخارف بديعة حيث توجد على جانبي المدخل غرفتان ، يليهما درج يؤدي إلى مصطبتين مكسوتين بالسجاد الأحمر .وفي داخل كل منهما بحيرة مزينة بزخارف ورؤوس لأسود يخرج الماء من فمها .وفي وسطها نافورة .
عند تلك المصطبة كان النساء يخلعْنَ ثيابهًنَّ. وتقوم الناطورة المسؤولة عن استقبالهن وخدمتهن بحراسة المكان قبل الدخول . و.بينما تقوم المعلمة بإدارة الحمام والحفاظ على الآداب فيه ،ومراقبة الزبونات . وتقبل الشكاوى لو أساءت إحداهن الأدب ، فتعمل على طردها .أما في القسم الداخلي من الحمام فكانت البلّانة تقوم بتنظيف الحمام بمكنسة من البلَّان ذات الشوك وتقوم بتأمين متطلبات الزبونات وتساعد المكيسة التي تعمل لحسابها الخاص حيث تأخذ الإكراميات من الزبائن . بعد تلييفهن وتفريكهن . كل ماأذكره أن أمي كانت ترفض أن تدلكها تلك المدلّكة التي كانت مفتولة العضلات حيث لم تكن تقاوم جمال امي فكانت تدلكها بعنف بكيس أسود خشن وأصوات أنفاسها تتعالى من شدة السمنة ،وكأنها تريد تجديد خلايا امي .وكانت تحاول أن تمد يدها باتجاه ثدي أمي ممازحة ،فتدفعها أمي بعنف وتطلب من خالتي ان تقوم بتدليكها بدل تلك المكيسة المترهلة . وهما تتغامزان عليها وتضحكان . لم تكن امي تصطحب شقيقتي الكبرى للحمام . لأنها كانت جميلة جداً .وكان النساء يتبارين لرؤية جسدها . لان الحمام بالإضافة إلى كونه مكاناً للاغتسال فهو قاعة للتسلية والترفيه يجتمع فيه الأصدقاء والأقارب والقليل من الغرباء . إذ كان هنالك حمام لكل حي تقريباً وكثيراً ماكان مكاناً لانتقاء العرائس ولخطبة الفتيات . حيث تقوم أم العريس بتفحص الفتاة التي تنوي خطبتها وتقوم بتقليبها كما تُقَلَّب البضاعة . ثم تنقل مشاهداتها لابنها . في المرة الأخيرة التي أرادت أمي أن تصطحبني معها للحمام رفضتُ لأنني شعرت بأنني كبرتُ ولايجوز أن أتعرى امام الغرباء. لكن أمي لم تكن تتنبه لذلك بحكم عادتها على رؤيتي
بدأت معالم أنوثتي تبرز . فاكْتَنَزَ جسدي بعض الشيء , وصغر خصر ي , وتكَوَّرَ ثديَايّ . كنتً أشعر باهتزازهما كلما تحركْتُ ، وأَعْتَقِدُ أن كل من في الكون يراقبني . تمنيتُ لو أقطعُهما من جذريهما ، وكأنهما قطعتا لحم فاسدتان . لا أدري لمَ كانت لفظة النهد محرمة ؟ حتى قصيدة نزار “طفولة نهد ” حينما نُشِرَتْ لأول مرة ,كُتِبَتْ “طفولة نهر ” . لان تلك المصطلحات كانت محرَّمة . وذلك دليل على أن نزار كائن دينامي لايُضبَط بقانون .
كنتُ أخجل أن أقولَ لوالدتي : إنني بحاجة لحمَّالة نهدين . فهي لم تتنبه لكبر نهديَّ فأنا مازلتُ الطفلة بنظرها . كما أن إحساسي بكبر نهديَّ كان أكبر من كبرهما الحقيقي . لذا بدأت أخجل من الخروج لِلَّعب مع أصدقائي وصديقاتي قي الحارة . وحين ينتابني الحنين للَّعب كنتُ أشدُّ ثديَيَّ بجورب طويل من جوارب النايلون . لكن أمي تنبهت لي حين لاحظت كتلة في ظهري مكان عقدة الجورب . فرفعت قميصي لتجدني قد ضغطت صدري بقوة . فبدأتً أجهش ُبالبكاء. وأقول : إن طلاب الإعدادية يلاحقوني بسبب اهتزاز نهديَّ قالت :هذا الاهتزاز شعور داخلي .وهم يلاحقونك لأنك جميلة ..كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها إنني جميلة , فلم أكن استلطف شكلي أبدأ” ..لأنني كنت أحس كأنني إمرأة صغيرة. وقد غذى الذكور الذين كنتً أصادفهم ذلك الإحساس بداخلي. فمعظمهم كان يتغزل بي ويتابع تفاصيل جسدي . لم أكن أريد أن أكبر أبدا”. لأن ذلك يترتب عليه أمور كثيرة .أولها التخلي عن أصدقائي الذكور .وثانيها عدم الخروج للعب
وخضوعي للمراقبة في سلوكي بدءاً من المأكل والمشرب حتى طريقة المشي والكلام وطبقة الصوت .
كنت أعتقد أن كل تلك الأمور ستجعلني مبرمجة وستسلب حريتي .بالإضافة إلى أنه سيُفرض علي الحجاب . لم أستطع يوماً أن أقنع نفسي أن الحجاب مقياس لعفة المرأة. لأنه لايمنع أي امرأة من الاتصال بالرجل . فالعين تزني كالأعضاء التناسلية وقد يتثنى من هذا المنطلق للمنقبة ان تسهب في النظر دون خشية من الفضيحة . بعكس السافرة التي يمكن أن يلحظ نظراتها الكثيرون . كنت أستمع للحوارات التي تدور بين أمي وأبي وأشعر أن أبي لم يكن يريد لأمي ان تتحجب مرضاة لله , بل مرضاة للمجتمع والجيران والأقارب . ووسيلة لتمرير الهيمنة والسيادة . لأنه أكثر من مرة كان يقول : إن الرب لايمكن ان يبحث عن الرضا في حجب الشعر وهو الذي خلق الشعر وإلا لأصبح موضوع الحجاب غاية . وكانت شقيقتي التي ارتدت الحجاب قبلي دوما تقول لأبي .إذا كنتَ تعتقد أن الحجاب قد حصنني فأنت مخطئ ياأبي . لأن خيال الرجل وفضوله وشهوته تزداد بحجب المرأة , ومن يرصد شعر امراة لن يتوانى عن اشتهاء جسد حتى ولو كان لطفلة . العفة قناعة داخلية وليست زياً ولابد من أسلوب تربوي يلزم الطرفين بالعفة من الداخل.
لاأن نفرض على المراة وضع قطعة قماش على رأسها وجعلها مسلوبة الإرادة مقهورة ونقول بعدها :إنها عفيفة بإذن الله
يتبع …