كنَّا صغاراً ( الحلقة السادسة )
***********************************
عد رحلة عناء طويلة قضيناها بين مدْرَسَة الشيخ ومدْرَسَة الراهبات
قرر والدي إرسالنا في عطلة الصيف لمنزل جدتي كي تعلمنا القرآن اختصارا للمصاريف .
كانت جدتي تحفظ القرآن عن ظهر قلب .فهي علوية تقرأ الزيارات الحسينية بصوت شجي
يًبْكي الحجر ..وكانت من غلاة الشيعة ..لكنها لم تكن تجيد القراءة والكتابة. إلا أنها لاتقرُّ بذلك , بل تملك حافظة غريبة .وبدأت تعليمنا جزء عمَّ . وحين وصلت إلى سورة الإنشراح التي كنَّا نحفظها مسبقا.ً رتَّلَتْ بصوتها العذب وقالت : ( ألم نشرح لك صدرك ؟ ووضعنا عنك وزرك بعلي ابن عمك وصهرك ) فقلت لها : لقد أخطأتِ ياجدتي ..قالت : (اسكتي وليه ).قلتُ : يجب ان تقولي :
ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * ؟وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك ..قالت: ( هودي السنَّة محرفينه للقرآن )
لم أكن أعرف مامعنى سنة او شيعة . فسألتها عن السنَّة فقالت : إنهم أتباع يزيد، وتَبِعَتْها بمسبة تقشعرلها الأبدان . وبدأت تقرأ لي المقتل . وتلطم على صدرها ، وتبكي بحرقة . وتقول ياحبيبي ياأبا الحسن
وصادف أنها كانت تسكن غرفة في طابق علوي ، بينما بسكن في السفلي عائلة وشاب قروي جاء للدراسة في جامعة دمشق وصار صديقا لأخي . وقد قرر أن يزور جدتي ليرتاح قليلاً من عناء الدِّراسة .فاستضافته ، وقدَّمَت له مالذ وطاب . ووجد هو أن الحديث عن السيرة النبوية والصحابة هو أفضل حديث يتداوله معها . دون أن يعرف أنها من غلاة الشيعة .فبدأ حديثه بعائشة ( رضي الله عنها ). فأخذت جدتي ترتجف ، وتحرك أكثر من عشرين عضلة في وجهها بعد أن كانت تبتسم .بينما الشاب يستفيض في الحديث عن مزايا زوجة النبي قائلا: ” عائشة أم المؤمنين ” فاكفهر وجه جدتي . ولم تستطع ان تخفي غضبها فقد بدا وكأن الثأر قد تزاوج معه ليولد الشراسة وقالت : ليست أم المؤمنين . فقال ، إنها ابنة الصحابي الجليل أبي بكر الصديق ياخالة .فأخرجت جدتي كل طاقتها العدوانية وقالت :ومين حضرتو أبو بكر ؟
قال : هو من سيشفع لنا يوم القيامة . فقالت له: “حاج تعفس كرمال الله ” كيف سيشفع لنا ؟
قال : سيستلقي على نار جهنم ، ويعبر المسلمون من فوقه . فلم تتمالك جدتي نفسها من شدة الغيظ. وخرجت عن اتزانها وقالت له ساخرة : (ليش ياعمري شو أبو بكر طيزو من نحاس ) ؟
ثم أمسكت بالكرسي وقالت له : ( قوم لك أحسن ماإلزقك بها الكرسي ). وانقضت عليه بشراسة ذئب
فانتفض الشاب وخرج المسكين وهو يغطي رأسه بيديه ويلعن الساعة التي قرر أن يؤانس فيها جدتي، ويتمتم : ( إذا شفت الأعمى طبه . مالك أكرم من ربه ) .
كانت نلك المرة الأولى التي أعرف فيها أنني شيعية .
وحين عدت إلى المنزل رويت الحادثة لأبي . وسألته مع من الحق ؟ فقال كل طائفة تعتقد أنها صاحبة الحق . ولكن الله أمرنا بحسن التعامل مع غير المسلمين، فكيف لايأمرنا بحسن التعامل مع بعضنا؟ يجب علينا احترام زوجات الرسول وعدم الاستهانة بالصحابة . وأن نكف الأذى، ونحسن الخطاب، ونتواصل ونعيش تعايشا” سلميا”. فالإجتماع رحمة . وقد قال تعالى في محكم كتابه : (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ).
يتبع …