كنَّا صغاراً (الحلقة الرابعة)
*******************************
كان مدير مدرستنا شيخاً فتياً ، كما هو حال معظم مدراء المدارس الأهلية في تلك الأيام . وكانت مُدَرّسَةُ الدين تمعن في تدريسنا أصول الصلاة والإيمان لتستحوذ على قلبه .
فكانت تجعلنا نردد كل يوم قبل الإنصراف المؤمن قوي ..المؤمن شجاع ..المؤمن لإيهاب الأعداء . كنّا نعتقد أن المؤمن هو المسلم ، وكل ماعداه كافراً زنديقاً .. وعلمتنا الشهادتين وغذَّت نفوسنا بفكرة هي : أنه يكفي ليكون المرء مسلماً أن ينطق بالشهادتين . وقد هيمنت تلك الفكرة على رؤوسنا لبساطتها وقررنا أنا وشقيقي أن نجعل صديقنا المسيحي جورج مسلماً . لكي يصبح عصفوراً من عصافير الجنة معنا . رغم أن فكرة تحولي من بني آدم إلى عصفور لم تكن تروق لي ، خصوصاً عندما كنت أتخيل أنني أزرق بسلحي أينما طاب لي فعل ذلك .بالإضافة إلى أن تلك الفكرة كانت ترتبط عندي بقصة ذلك اليتيم الذي حولته الساحرة الشريرة إلى طائر صغير ، ذبحته زوجة أبيه فيما بعد وطبخته, وأطعمت أخته من لحمه،ولما اكتشفت الفتاة أنها تأكل لحم اخيها ، راحت تجمع عظامه وتبكي.. لكن في كل الأحوال يظل عصفور اً مسلماً خيراً من عشرة عصافير كافرة .
فأوكلْنا لأنفسنا في الحال مهمة أصعب من مهمة الحملات العسكريَّة التي شنَّها المُسلمون على القبائل العربيَّة التي ارتدَّت عن الإسلام .
وما أن التقينا جورج قرب الكنيسة طلبنا منه أن ينطق بالشهادتين دون أن يحس .
قال له شقيقي : قل : أشهد أن لا إله إلا الله .
فجحظت عينا جورج .وكان متعصباً لمسيحيته أكثر من تعصبنا لإسلامنا وقال غاضباً: لن أقول .
– طيب قل : أشهد أن محمداً رسول الله . فرفض مبايعتنا
فضربه شقيقي على خده بمسطرة حديدية وصاح مهدداً بصوت عالِ وكأنه يريد استرجاع ملك اوسلطان
ـ أيها الكافر هيا قل :
لكن جورج كان مستعداً أن يموت على أن ينطق بالشهادتين . لذا لم يكن أمامنا سوى الصدام المسلح كدعوة صريحة لإعلاء راية الجهاد في سبيل الله
رفع أخي المسطرة وضربه بشفرتها على رأسه فنفر الدم كالنافورة من جبينه
قال أخي : قل : ( هو الله أحد)
حين رأى جورج الدم قال: هو الله أحد ،التفت شقيقي نحوي وقال : أكملي له . ( إذ لم يكن شقيقي يحفظ الآية كاملة) . وكم كان الأمر سيكون محرجاً لنا لو كنّا نحفظ آية ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضـرْبُ الرقاب، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ……) .
بعد أن أنهينا أسلمة جورج بسيف المسطرة الحديدية . استولينا على حقيبته كغنيمة ، وسلمناها لأمي وقلنا لها: إن جورج قد أصبح مسلماً . ولكن بعد أن فتحنا خندقاً في رأسه .فجنَّ جنون أمي ,وراحت تضرب رأسها بكفيها ، فقد كانت أم جورج صديقتها الحميمة . كانتا تحتسيان معاً القهوة كل يوم . وكانت أمي تعلمها حقن الإبر وأم جورج تعلمها غزل الصوف .
توجهت أمي نحو الغرفة التي كان يضجع فيها أبي وصاحت : قلت لك : أريدهم أن يتعلموا أن الدين أخلاق وتسام، لاأريدهم أن يصبحوا قتلة . وحملت حقيبة جورج ومضت مسرعة تحث الخطى وجلة خجلة باتجاه أم جورج وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة
يتبع …