كان للأمير عبد الرحمن الأوسط محظية تدعى طروب [1]،
وكان مغرمًا بها دونا ً عن نسائه[2]
فإمتنعت عنه ذات يوم لظنها بأنه له علاقة بغيرها من النساء[3]، فأرسل إليها فأمتنعت عنه ،
وأغلقت على نفسها بيتًا ، فأمر بنيان الباب لها بالخرائط المملؤة بالدراهم حتي يسترضيها ، ففتحت الباب وأخذتها،
وأورد ابن عذاري إنها ألقت فيها نحوًا من عشرين ألفًا ،
وأمر لها بعقد[4] قيمته عشرة آلاف دينار في حين نجد أن صاحب ذكر بلاد الأندلس قد بالغ في تحديد قيمته فذكر إنه كان ألف بدرة في كل بدرة ألف دينار[5] ،
ولكن أخذ بعض وزرائه يعظم عليه الأمر ،
وقال الأمير لوزيره “إن لابسه أنفس منه خطرًا وأرفع قدرًا ولئن راق من هذه الحصباء منظرها ورصف في النفس جوهرها ،
فلقد برأ الله من خلقه جوهرًا يغشي الأبصار ويذهب بالألباب ،
وهل وجه الأرض من شريف زبرجدها وشريف جوهرها “[6]،
و كان حاضرًا في مجلسه الشاعر عبدالله بن الشمر فسأله عن شيء من الشعر فقال فيها ابياتًا أعجبت الأمير وأمر له ببدرة فيها خمسمائة دينار[7] .
لجأت حسانة التميمة بنت أبي المخشى الشاعر بإلبيرة إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط ،
وناشدته بتقديمها لجابر بن لبيد والى إلبيرة بخط الأمير الحكم الربضي بشأن إسقاطه عنها المغارم ورفض جابر لها ،
فأنشدت الأمير بشعرها :
إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي على شحط تصلى بنار الهواجر ليجبر صدعى إنه خير جابر ويمنعني من ذي الظلامة جابر
فإني وأيتامي بقبضة كفه كذي ريش أضحى في مخالب كاسر
فرد عليها حقها وعزل بن لبيد وأمر لها بجائزة فمدحته [8]
وفي عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر قامت محظيته مرجان أم الحكم بشراء ليلة من ابنة عم الخليفة الحرة القريشية ،
واستخفت القريشية بالأمر عند الخليفة ظنًا منها إنه أمرا لايستحق وطمعًا في لطف الناصر لها وإنها كيد نساء ليس إلا ،
فكتبت لمرجان بخط يدها ، فتوجهت مرجان لمنزلها وأخبرت الخليفة فغضب من القريشية ،
وكان من أيام سروره مصاحبته لمرجان وعوضها عن المال الذي أنفقته الذي كان اهداه لها من قبل بأضعافه [9]
[1] طروب :
هي جارية عبد الرحمن الأوسط المحببة إليه وأكبر جواريه سلطانًا عليه ، رغم أنها كانت أقلهن وفاء له ،
وقد كان عبد الرحمن مولعًا بالنساء ، فأستكثر من الجواري ، وكثر لهذا أولاده بين ذكور وإناث
( ابن الأبار ، الحلة السيراء ، ج1 ، هامش 1 ، ص 114 ). [2] ابن حيان ، المقتبس ، مكي ، ص149 .
[3] أبو العلا ، الشفاعات ، ص 105 .
[4] دخل الأندلس في أيام الأمير عبد الرحمن الأوسط “نفيس الجهاز من فاخر المتاع ، ونفيس الجوهر ، وشريف الكساء وغالي الوطاء ، وقصدتها تجار البحر بكل علق كريم ومتاع نفيس ، فنفق الأمير عبد الرحمن أسواقهم وثامنهم في بضائعهم ” وكان من ضمن هذه البضائع ما تم نهبه من بغداد عند صراع الأمين والمأمون وغلبه أصحاب عبد الله المأمون على بغداد وقتلهم لمحمد أخيه وانتهابهم لخزانته ،
فلاذ التجار العاثرون عليها من مطلبهم بها وأوصلوها إلى الأندلس ، وكان مما حصل عليه الأمير عبد الرحمن العقد السلطاني المسمى بالثعبان ،وقد كان هذا العقد لأم جعفر زبيدة أم المخلوع محمد ، الذي عرف فيما بعد بعقد الشفاء حظية الأمير عبد الرحمن الذي وهبه لها ،
(ابن حيان ، السفر الثاني من المقتبس ، ص 292 ).
[5] مجهول ، ذكر بلاد الأندلس ، ج1 144 ، أبو العلا ، الشفاعات ، ص 106.
[6] ابن عذاري ، البيان ، ج2 ، ص 92 .
[7] ابن حيان ، السفر الثاني من المقتبس ، ص 298 – 300 ،ابن عذاري ، البيان ، ج 2 ص 93.
[8] أبو العلا ، الشفاعات ، ص89. [9] ابن حيان ، المقتبس ، 1979 م ، ص11-13 .