من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاءكمال الخشن 9

 

كنَّا صغاراً ( الحلقة التاسعة)
**********************************
كان معظم جيراننا في الحي يمتلكون البيوت التي يقطنونها . إلا نحن فكنا ننتقل من منزل لآخر.
فأبي ( الذي انحدر من قرية فقيرة في لبنان ،وقدم لسوريا ليقترن بأمي التي تعرَّف عليها في أحد أعراس الضيعة حين كانت في زيارة جدها في لبنان ) لم يكن قادراً على تغطية نفقات عائلتنا من عائدات حانوته الصغير بداية ، ثم وظيفته كمشرف في نادي رياضي أهلي.
ففي كل انتقال كانت أمي تبيع أثاث المنزل . ولاتحتفظ سوى بعودها الذي كانت تعزف عليه لتنسى صعوبات الحياة وضيق ذات اليد . التي لاتكاد تنقبض حتى تعود لتداعب اوتارالعود مصحوبة بصوتها الدافئ الشجي. فما أن تبدأ بالعزف حتى تبدأ شقيقتي الكبرى وشقيقي بترداد الأغنية معها كمحاربي القوزاق الذين يفقدون أذرعتهم بالحرب فيبدأون بالعزف على آلة خشبية .
كان صوت والدي لايقل عذوبة عن صوت أمي فقد ورث عن جده وأمه حنجرة ذهبية .وكثيراً ماكان جدي السيد ” محمد وهبة ” يرسله لأداء الأذان في الجامع بدلا عنه ، فحدث ذات يوم أنه كان يؤدي أذان المغرب ، في جامع القرية الصغير ذي المئذنة القصيرة، فمرت أمي قرب الجامع فلمحها وهو يؤذن . فقطع الأذان ونزل يحث الخطى خلفها ويتحرش بها ، فكانت تلك الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الحب بينهما ، وجعلت جدي يقطع المصروف عن أبي فترة طويلة عقاباً على فعلته تلك. بسبب الحرج الذي اوقعه به حينما شاع الخبر بين أهالي الضيعة .لكن أبي أصر على الارتباط بأمي رغم التمايز الطبقي بينهما فهي الفتاة المدللة لأب غني . وهو الشاب الذي سافر أباه وهو طفل يصفق بجناحيه . لم يكن يمتلك من الدنيا سوى شكله الجميل ، وحلاوة لسانه ، وقصائد طويلة ،كان يحفظها عن ظهر قلب ،ونكتة حاضرة ، وسرعة بديهة ، استطاع من خلالها أن يستحوذ على قلب أمي ،
ويجعلها ترفض كل من يتقدم لها من الشبان مهما علا شأنه وارتفعت منزلته .
يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top