كنَّا صغاراً ( الحلقة 11 )
****************************
كان منزلنا متيناً من الأسفل , لكنه آيل للسقوط من الأعلى . فهو يهتزُّ مع الريح ذات اليمين وذات الشمال .. لذا منعتنا أمي من الصعود للغرفة العلوية خصوصاً في الشتاء الممطر والعاصف .وكان لدينا غرفة صغيرة علي يمين الدَّرَج يجمع فيها شقيقي الأكبر ” أحمد ” الكتب والمجلات القديمة التي كان يشتريها بمبالغ زهيدة من أصحاب البسطات. ويقوم بتأجيرها لأبناء الحي .وحدث أن نقلت أمي تلك الكتب للغرفة العليا لعثورنا على ثعبان بالمكتبة . وكان جارنا ” أبوطوق ” الذي يدَّعي بأنه يستطيع ان يخاطب الأفاعي ويجمعها , وأ نه يعمل حاوياً . بينما هو في الحقيقة يخاف حقن الإبرة , ويركض أمام والدتي التي تعمل في المستوصف ، وقد علِق (السرنك البلاستيكي ) في مؤخرته الضخمة . لذا لم يكن أخي مطمئنا أبدا بأن أبا طوق يستطيع ان يطوِّع الثعبان لوصادفه حين استدعته أمي لإخراجه من المكتبة .لذا كان يقف في منتصف الدَّرج تحسباً .وماأن فَرِِغَتْ المكتبة من الكتب حتى ظهر الثعبان والتف على نفسه مستعداً للهجوم . لكنَّ قدما أبي طوق سبقا رأسه في الجري حافياً .فانسحب الثعبان باتجاه جحره .
وبعد انتقال المكتبة كنتُ أواظب يومياً في الصعود خلسة للأعلى وأقرأ بضع وريقاتٍ , خصوصاً حينما أمكثُ وحيدة في المنزل , عندما يكون دوام أخوتي ظهرياً . وأَلْمسُ بنباهتي حاجة والدي للاختلاء بأمي . فأقول أنا صاعدة لفوق أريد ان أقرأ لاتندهوا لي . لكي امنحهما بعض الطمأنينة .
لكنني في الوقت نفسه كنتُ أملك شغفاً كبيراً للمطالعة .فكثيراً ماكنتُ أجمع أثناء طفولتي أوراق المجلات التي تحملها الرياح معها ..ولم أترك مزْبَلَة لم أسطُ عليها بحثاً عن أوراق مجلات بساط الريح .لأعرف ماذا حلَّ ب ” تونغا ” , بطل إحدى القصص .علني أعثر على بضع قصيصات منها . كنتُ أنبش كل النفايات , وحين لا أعثر على ضالتي , أقوم بجمع النحاس والأسلاك الكهربائية ,لنحرقها انا وأخي ونبيعها . كما نجمع قصاصات الجلد والسحابات المعَطَّلَة المتبقية عن معمل الحقائب القريب من منزلنا .فنقوم بصيانتها وأقوم أنا بصنع محافظ صغيرة بإخاطتها بالإبرة والخيط .ثم نبيعها لمجاميع النَوَر الذين يمرون قرب مدرستنا و يقومون بالتبصيرللنساء . حتى ظلت صورةتلك المحافظ والجزادين الصغيرةعالقة بذاكرتي أحمل دوماً مايشابهها في حقيبتي . ومازالت عادة الاحتفاظ بقصاصات الورق تلازمني إحياء لذكرى تونغا البطل ،التي رافقت ذاكرتي عمراً . ولّكّمْ وضعتُ نهايات لقصته ..نهايات حزينة كنت احكيها لشقيقي محمد الذي أصبح طبيبا جراحا فيما بعد .
يتبع